فصل: الْبَابُ الرَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ فِي التَّحْكِيمِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الفتاوى الهندية



.الْبَابُ الرَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ فِي التَّحْكِيمِ:

تَفْسِيرُهُ تَصْيِيرُ غَيْرِهِ حَاكِمًا فَيَكُونُ الْحَكَمُ فِيمَا بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ كَالْقَاضِي فِي حَقِّ كَافَّةِ النَّاسِ وَفِي حَقِّ غَيْرِهِمَا بِمَنْزِلَةِ الْمُصْلِحِ، كَذَا فِي مُحِيطِ السَّرَخْسِيِّ يَجِبُ أَنْ يُعْلَمَ بِأَنَّ التَّحْكِيمَ جَائِزٌ وَشَرْطُ جَوَازِهِ أَنْ يَكُونَ الْحَكَمُ مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ وَقْتَ التَّحْكِيمِ وَوَقْتَ الْحُكْمِ أَيْضًا حَتَّى أَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ أَهْلًا لِلشَّهَادَةِ وَقْتَ التَّحْكِيمِ وَصَارَ أَهْلًا لِلشَّهَادَةِ وَقْتَ الْحُكْمِ بِأَنْ كَانَ الْحَكَمُ عَبْدًا فَأُعْتِقَ أَوْ ذِمِّيًّا فَأَسْلَمَ وَحَكَمَ لَا يَنْفُذُ حُكْمُهُ، وَحُكْمُ هَذَا الْحَكَمِ يُفَارِقُ حُكْمَ الْقَاضِي الْمُوَلَّى مِنْ حَيْثُ إنَّ حُكْمَ هَذَا الْحَكَمِ إنَّمَا يَنْفُذُ فِي حَقِّ الْخَصْمَيْنِ وَمَنْ رَضِيَ بِحُكْمِهِ، وَلَا يَتَعَدَّى إلَى مَنْ لَمْ يَرْضَ بِحُكْمِهِ بِخِلَافِ الْقَاضِي الْمُوَلَّى، كَذَا فِي الْمُلْتَقَطِ وَلَا يَجُوزُ تَحْكِيمُ الْكَافِرِ وَالْعَبْدِ وَالذِّمِّيِّ وَالْمَحْدُودِ فِي الْقَذْفِ وَالْفَاسِقِ وَالصَّبِيِّ.
وَالْفَاسِقُ إذَا حَكَمَ يَجِبُ أَنْ يَجُوزَ عِنْدَنَا وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُحَكِّمَيْنِ أَنْ يَرْجِعَ مَا لَمْ يَحْكُمْ عَلَيْهِمَا، فَإِذَا حَكَمَ لَزِمَهُمَا، كَذَا فِي الْهِدَايَةِ ثُمَّ الْمُرَادُ مِنْ عَدَمِ جَوَازِ تَحْكِيمِ الذِّمِّيِّ أَنْ لَوْ كَانَ الذِّمِّيُّ حَكَمًا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، أَمَّا لَوْ كَانَ الذِّمِّيُّ حَكَمًا فِيمَا بَيْنَ الذِّمِّيِّينَ فَإِنَّهُ يَجُوزُ.
وَذُكِرَ فِي الْمَبْسُوطِ وَإِنْ حَكَمَ الذِّمِّيُّ بَيْنَ أَهْلِ الذِّمَّةِ جَازَ؛ لِأَنَّهُ أَهْلُ الشَّهَادَةِ بَيْنَ أَهْلِ الذِّمَّةِ دُونَ الْمُسْلِمِينَ وَيَكُونُ تَرَاضِيهِمَا عَلَيْهِ فِي حَقِّهِمَا كَتَقْلِيدِ السُّلْطَانِ إيَّاهُ وَتَقْلِيدِ حُكُومَةِ الذِّمِّيِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ أَهْلِ الذِّمَّةِ صَحِيحٌ وَتَقْلِيدُهُ بِأَنْ يَحْكُمَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ بَاطِلٌ وَكَذَلِكَ التَّحْكِيمُ، كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَيَصِحُّ التَّحْكِيمُ فِيمَا يَمْلِكَانِ فَعَلَ ذَلِكَ بِأَنْفُسِهِمَا وَهُوَ حُقُوقُ الْعِبَادِ وَلَا يَصِحُّ فِيمَا.
لَا يَمْلِكَانِ فَعَلَ ذَلِكَ بِأَنْفُسِهِمَا، وَهُوَ حُقُوقُ اللَّهِ تَعَالَى حَتَّى يَجُوزَ التَّحْكِيمُ فِي الْأَمْوَالِ وَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَالنِّكَاحِ وَالْقِصَاصِ وَتَضْمِينِ السَّرِقَةِ، وَلَا يَجُوزُ فِي حَدِّ الزِّنَا وَالسَّرِقَةِ وَالْقَذْفِ.
وَذَكَرَ الْخَصَّافُ وَلَا يَجُوزُ حُكْمُ الْمُحَكَّمِ فِي حَدٍّ أَوْ قِصَاصٍ، وَذُكِرَ فِي الْأَصْلِ أَنَّهُ يَجُوزُ التَّحْكِيمُ فِي الْقِصَاصِ وَيَنْفُذُ حُكْمُ الْمُحَكَّمِ فِي سَائِرِ الْمُجْتَهِدَاتِ نَحْوَ الْكِنَايَاتِ وَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَهُوَ الصَّحِيحُ لَكِنَّ مَشَايِخَنَا امْتَنَعُوا عَنْ هَذَا لِلْفَتْوَى كَيْ لَا يَتَجَاسَرَ الْعَوَامُّ فِيهِ، وَلَا يَجُوزُ حُكْمُهُ فِي دَمِ الْخَطَأِ؛ لِأَنَّ الْعَاقِلَةَ لَمْ تَرْضَ بِهِ وَحُكْمُ الْمُحَكَّمِ إنَّمَا يَنْفُذُ عَلَى مَنْ رَضِيَ بِحُكْمِهِ.
وَإِنْ قَضَى بِالدِّيَةِ عَلَى الْقَاتِلِ لَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْقَاتِلُ أَقَرَّ بِالْقَتْلِ خَطَأً فَحِينَئِذٍ يَجُوزُ حُكْمُهُ بِالدِّيَةِ عَلَيْهِ.
حَكَّمَ الذِّمِّيَّانِ ذِمِّيًّا ثُمَّ أَسْلَمَ أَحَدُ الْخَصْمَيْنِ خَرَجَ مِنْ الْحُكُومَةِ فِيمَا بَيْنَهُمَا أَرَادَ بِهِ فِي الْحُكْمِ عَلَى الْمُسْلِمِ لَا عَلَى الذِّمِّيِّ حَتَّى لَوْ حَكَمَ لِلذِّمِّيِّ عَلَى الْمُسْلِمِ لَا يَجُوزُ، وَإِنْ حَكَمَ لِلْمُسْلِمِ عَلَى الذِّمِّيِّ يَجُوزُ نَصَّ عَلَيْهِ فِي مَوَاضِعَ أُخَرَ مِنْ الْمَبْسُوطِ فَإِنَّهُ قَالَ: مُسْلِمٌ وَذِمِّيٌّ حَكَّمَا ذِمِّيًّا جَازَ حُكْمُهُ عَلَى الذِّمِّيِّ دُونَ الْمُسْلِمِ وَكَذَلِكَ مُسْلِمٌ وَذِمِّيٌّ حَكَّمَا مُسْلِمًا وَذِمِّيًّا فَإِنْ حَكَمَا لِلْمُسْلِمِ عَلَى الذِّمِّيِّ جَازَ وَإِنْ حَكَمَا لِلذِّمِّيِّ عَلَى الْمُسْلِمِ لَا يَجُوزُ كَمَا لَوْ حَكَّمَا عَبْدًا وَحُرًّا فَحَكَمَا لَمْ يَجُزْ حُكْمُهُمَا؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْعَبْدِ لَا يَجُوزُ فَبَقِيَ الْحُرُّ مُنْفَرِدًا بِالْحُكْمِ وَقَدْ رَضِيَا بِتَحْكِيمِهِمَا فَلَا يَنْفَرِدُ أَحَدُهُمَا بِهِ.
حَكَمَ ذِمِّيٌّ بَيْنَ الْمُسْلِمَيْنِ فَأَجَازَاهُ لَمْ يَجُزْ، كَمَا لَوْ حَكَّمَاهُ فِي الِابْتِدَاءِ.
ذِمِّيَّانِ حَكَّمَا ذِمِّيًّا فَأَسْلَمَ الْحَكَمُ قَبْلَ الْحُكْمِ فَهُوَ عَلَى حُكُومَتِهِ.
مُسْلِمٌ وَمُرْتَدٌّ حَكَّمَا حَكَمًا بَيْنَهُمَا ثُمَّ قُتِلَ الْمُرْتَدُّ أَوْ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ لَمْ يَجُزْ حُكْمُهُ عَلَيْهِ وَلَوْ أَسْلَمَ جَازَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- وَعِنْدَهُمَا جَازَ بِكُلِّ حَالٍ كَذَا فِي مُحِيطِ السَّرَخْسِيِّ.
وَيَجُوزُ أَنْ يَجْعَلَا بَيْنَهُمَا امْرَأَةً يَعْنِي يَجُوزُ إذَا حَكَّمَا بَيْنَهُمَا امْرَأَةً وَأَرَادَ بِهِ فِيمَا سِوَى الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ؛ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ التَّحْكِيمَ يُبْتَنَى عَلَى الشَّهَادَةِ وَالْمَرْأَةُ تَصْلُحُ شَاهِدَةً فِيمَا سِوَى الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ فَتَصْلُحُ حَكَمًا وَلَا تَصْلُحُ شَاهِدَةً فِي الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ فَلَا تَصْلُحُ حَكَمًا.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: لَا يَجُوزُ التَّحْكِيمُ مُعَلَّقًا بِالْأَخْطَارِ وَلَا مُضَافًا إلَى وَقْتٍ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: يَصِحُّ.
وَفِي الْفَتَاوَى الْعَتَّابِيَّةِ لَا يَصِحُّ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى، كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة صُورَةُ التَّعْلِيقِ إذَا قَالَا لِلْعَبْدِ: إذَا أَعْتَقْت فَاحْكُمْ بَيْنَنَا.
أَوْ قَالَا لِرَجُلٍ: إذَا أَهَلَّ الْهِلَالُ فَاحْكُمْ بَيْنَنَا.
وَصُورَةُ الْإِضَافَةِ إذَا قَالَا لِرَجُلٍ: جَعَلْنَاك حَكَمًا غَدًا، أَوْ قَالَا: رَأْسَ الشَّهْرِ.
وَإِذَا اصْطَلَحَا عَلَى حَكَمٍ يَحْكُمُ بَيْنَهُمَا عَلَى أَنْ يَسْأَلَ فُلَانًا الْفَقِيهَ ثُمَّ يَحْكُمَ بَيْنَهُمَا جَازَ.
وَكَذَا إذَا اصْطَلَحَا عَلَى حَكَمٍ بَيْنَهُمَا عَلَى أَنْ يَسْأَلَ الْفُقَهَاءَ ثُمَّ يَحْكُمَ بَيْنَهُمَا بِمَا أَجْمَعُوا عَلَيْهِ جَازَ، فَإِنْ سَأَلَ ذَلِكَ الْفَقِيهَ فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ وَحَكَمَ بَيْنَهُمَا جَازَ وَهَذَا ظَاهِرٌ وَإِذَا سَأَلَ فَقِيهًا وَاحِدًا فِي الْفَصْلِ الثَّانِي وَحَكَمَ بِقَوْلِهِ: جَازَ أَيْضًا.
وَإِذَا اصْطَلَحَا عَلَى حَكَمٍ يَحْكُمُ بَيْنَهُمَا فِي يَوْمِهِ هَذَا أَوْ مَجْلِسِهِ هَذَا فَهُوَ جَائِزٌ، وَإِنْ مَضَى ذَلِكَ الْيَوْمُ وَقَامَ عَنْ مَجْلِسِهِ ذَلِكَ لَا يَبْقَى حَكَمًا.
وَإِذَا رُفِعَ حُكْمُ الْحَاكِمِ الْمُحَكَّمِ إلَى الْقَاضِي الْمُوَلَّى فَالْقَاضِي يَنْظُرُ فِي حُكْمِهِ فَإِنْ كَانَ مُوَافِقًا لِرَأْيِهِ نَفَذَهُ وَإِنْ كَانَ مُخَالِفًا لِرَأْيِهِ أَبْطَلَهُ وَإِنْ كَانَ مِمَّا يَخْتَلِفُ فِيهِ الْفُقَهَاءُ.
وَإِذَا اصْطَلَحَ الرَّجُلَانِ عَلَى حَكَمٍ يَحْكُمُ بَيْنَهُمَا وَلَمْ يَعْلَمَاهُ وَلَكِنَّهُمَا قَدْ اخْتَصَمَا إلَيْهِ وَحَكَمَ بَيْنَهُمَا جَازَ.
وَإِذَا اصْطَلَحَا عَلَى غَائِبٍ يَحْكُمُ بَيْنَهُمَا فَقَدِمَ وَحَكَمَ بَيْنَهُمَا جَازَ، كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
وَإِذَا اصْطَلَحَا عَلَى أَنْ يَحْكُمَ بَيْنَهُمَا فُلَانٌ أَوْ فُلَانٌ فَأَيُّهُمَا حَكَمَ بَيْنَهُمَا جَازَ وَإِذَا تَقَدَّمَا إلَى أَحَدِهِمَا فَقَدْ عَيَّنَاهُ لِلْخُصُومَةِ وَلَا يَبْقَى الْآخَرُ حَكَمًا، كَذَا فِي الْمُلْتَقَطِ.
وَإِذَا اصْطَلَحَا عَلَى أَنْ يَحْكُمَ بَيْنَهُمَا أَوَّلُ مَنْ يَدْخُلُ الْمَسْجِدَ فَذَلِكَ بَاطِلٌ.
وَلَوْ سَافَرَ الْحَكَمُ أَوْ مَرِضَ أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ ثُمَّ قَدِمَ مِنْ سَفَرِهِ أَوْ بَرِئَ وَحَكَمَ جَازَ.
وَلَوْ عَمِيَ الْحَكَمُ ثُمَّ ذَهَبَ الْعَمَى وَحَكَمَ لَمْ يَجُزْ، وَلَوْ ارْتَدَّ عَنْ الْإِسْلَامِ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ ثُمَّ أَسْلَمَ وَحَكَمَ لَا يَجُوزُ.
وَلَوْ وَجَّهَ الْحَكَمُ الْقَضَاءَ عَلَى أَحَدِهِمَا يُرِيدُ بِهِ أَنَّ الْحَكَمَ قَالَ لِأَحَدِ الْخَصْمَيْنِ: قَامَتْ عِنْدِي الْحُجَّةُ بِمَا ادَّعَى عَلَيْك مِنْ الْحَقِّ، ثُمَّ إنَّ الَّذِي تَوَجَّهَ عَلَيْهِ الْحُكْمُ عَزَلَهُ ثُمَّ حَكَمَ عَلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ لَا يَنْفُذُ حُكْمُهُ عَلَيْهِ.
وَإِذَا وَكَّلَ أَحَدُ الْخَصْمَيْنِ الْحَكَمَ بِالْخُصُومَةِ وَقَبِلَ الْحَكَمُ الْوَكَالَةَ خَرَجَ عَنْ الْحُكُومَةِ.
ذُكِرَ فِي الْأَقْضِيَةِ بَعْضُ مَشَايِخِنَا رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى قَالُوا: هَذَا الْجَوَابُ إنَّمَا يَسْتَقِيمُ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَا يَسْتَقِيمُ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: لَا بَلْ مَا ذَكَرْنَا هُنَا قَوْلُ الْكُلِّ.
وَإِذَا اشْتَرَى الْحَكَمُ الْعَبْدَ الَّذِي اخْتَصَمَا إلَيْهِ فِيهِ أَوْ اشْتَرَاهُ ابْنُهُ أَوْ أَحَدٌ مِمَّنْ لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ لَهُ فَقَدْ خَرَجَ عَنْ الْحُكُومَةِ، كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
وَلَوْ أُخْبِرَ الْمُحَكَّمُ بِإِقْرَارِ أَحَدِ الْخَصْمَيْنِ بِأَنْ يَقُولَ لِأَحَدِهِمَا: اعْتَرَفْت عِنْدِي لِهَذَا بِكَذَا أَوْ بِعَدَالَةِ الشُّهُودِ، مِثْلَ أَنْ يَقُولَ: قَامَتْ عِنْدِي عَلَيْك بَيِّنَةٌ لِهَذَا بِكَذَا فَعُدِّلُوا عِنْدِي وَقَدْ أَلْزَمْتُك ذَلِكَ وَحَكَمْت بِهِ لِهَذَا عَلَيْك؛ فَأَنْكَرَ الْمَقْضِيُّ عَلَيْهِ أَنْ يَكُونَ أَقَرَّ عِنْدَهُ بِشَيْءٍ أَوْ قَامَتْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ بِشَيْءٍ لَمْ يُلْتَفَتْ إلَى قَوْلِهِ وَمَضَى الْقَضَاءُ وَنَفَذَ.
وَإِنْ أُخْبِرَ الْمُحَكَّمُ مِثْلَ أَنْ يَقُولَ: كُنْت حَكَمْت عَلَيْك لِهَذَا بِكَذَا لَمْ يُصَدَّقْ، كَذَا فِي الْعِنَايَةِ.
وَلَوْ حَكَّمَا رَجُلَيْنِ لَا بُدَّ مِنْ اجْتِمَاعِهِمَا حَتَّى لَوْ حَكَمَ أَحَدُهُمَا دُونَ الْآخَرِ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ وَلَا يُصَدَّقَانِ عَلَى ذَلِكَ الْحُكْمِ بَعْدَ الْقِيَامِ مِنْ مَجْلِسِ الْحُكُومَةِ حَتَّى يَشْهَدَ عَلَى ذَلِكَ غَيْرُهُمَا كَسَائِرِ الرَّعَايَا بَعْدَ الْقِيَامِ مِنْ مَجْلِسِ الْحُكُومَةِ، فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا عَلَى قَوْلٍ بَاشَرَاهُ، كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ، كَذَا فِي النِّهَايَةِ.
حَكَّمَا رَجُلًا فَأَجَازَ الْقَاضِي حُكُومَتَهُ قَبْلَ أَنْ يَحْكُمَ ثُمَّ حَكَمَ بِخِلَافِ رَأْيِ الْقَاضِي لَمْ يَجُزْ.
حَكَّمَا رَجُلًا فَقَضَى لِأَحَدِهِمَا ثُمَّ حَكَّمَا آخَرَ يَنْفُذُ حُكْمُ الْأَوَّلِ إنْ كَانَ جَائِزًا عِنْدَهُ وَإِنْ كَانَ جَوْرًا أَبْطَلَهُ.
حَكَّمَا رَجُلًا فَحَكَمَ ثُمَّ حَكَّمَا آخَرَ فَحَكَمَ بَيْنَهُمَا بِسِوَى ذَلِكَ وَلَا يَعْلَمُ بِالْأَوَّلِ، ثُمَّ رَفَعَا إلَى الْقَاضِي فَإِنَّهُ يُنَفِّذُ حُكْمَ الْمُوَافِقِ لِرَأْيِهِ.
حَكَّمَا رَجُلًا مَا دَامَ فِي مَجْلِسِهِ فَقَالَا: لَمْ تَحْكُمْ بَيْنَنَا، وَقَالَ: حَكَمْت؛ فَالْحُكْمُ مُصَدَّقٌ مَادَامَ فِي مَجْلِسِهِ وَلَا يُصَدَّقُ بَعْدَهُ.
أَقَامَ أَحَدُهُمَا الْبَيِّنَةَ عَلَى الْحَاكِمِ أَنَّهُ حَكَمَ لَهُ وَأَنَّهُ يَجْحَدُ تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ وَلَوْ شَهِدَ الْحَكَمُ أَنَّهُ قَضَى بِالْبَيِّنَةِ لِفُلَانٍ عَلَى فُلَانٍ؛ جَازَ كَمَا يَجُوزُ مِنْ الْقَاضِي.
شَهِدَ شَاهِدَانِ أَنَّ الْحَكَمَ قَضَى لِفُلَانٍ عَلَى فُلَانٍ بِأَلْفٍ وَشَهِدَ آخَرَانِ أَنَّ الْحَكَمَ أَبْرَأَهُ مِنْ الْأَلْفِ الْمُدَّعَاةِ وَالْحَكَمُ غَائِبٌ أَوْ حَاضِرٌ يُقِرُّ أَوْ يُنْكِرُ؛ يُقْضَى بِالْبَرَاءَةِ وَلَوْ كَانَتْ الْخُصُومَةُ فِي دَارٍ فَشَهِدَ شَاهِدَانِ أَنَّ الْحَكَمَ قَدْ قَضَى بِهَا لِهَذَا وَشَهِدَ آخَرَانِ لِلْآخَرَانِ بِمِثْلِهِ إنْ كَانَتْ الدَّارُ فِي أَيْدِيهِمَا يَقْضِي بَيْنَهُمَا وَإِنْ كَانَتْ الدَّارُ فِي يَدَيْ أَحَدِهِمَا يَقْضِي لَهُ إنْ كَانَتْ فِي يَدَيْ أَجْنَبِيٍّ لَمْ يَرْضَى بِحُكْمِهِ تُتْرَكُ فِي يَدِهِ، كَذَا فِي مُحِيطِ السَّرَخْسِيِّ.
وَلَوْ كَانَتْ الْخُصُومَةُ بَيْنَهُمَا فِي أَلْفِ دِرْهَمٍ وَأَقَامَ الْمُدَّعِي بَيِّنَةً أَنَّ الْحَكَمَ قَضَى عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِالْأَلْفِ الَّذِي ادَّعَاهُ يَوْمَ السَّبْتِ، وَأَقَامَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بَيِّنَةً أَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَخْرَجَهُ عَنْ الْحُكُومَةِ قَبْلَ ذَلِكَ فَحُكْمُهُ بَاطِلٌ قَالَ: وَلَوْ كَانَ الْمُدَّعِي أَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّ الْحَكَمَ قَضَى لَهُ بِالْمَالِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَأَقَامَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بَيِّنَةً أَنَّ الْحَكَمَ أَبْرَأَهُ عَنْ الْمَالِ يَوْمَ السَّبْتِ أَوْ كَانَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَقَامَ بَيِّنَةً أَنَّ الْحَكَمَ أَبْرَأَهُ عَنْ الْمَالِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَأَقَامَ الْمُدَّعِي بَيِّنَةً أَنَّ الْحَكَمَ قَضَى لَهُ بِالْمَالِ يَوْمَ السَّبْتِ فَإِنَّ الْقَضَاءَ الْأَوَّلَ نَافِذٌ وَالْقَضَاءَ الثَّانِيَ بَاطِلٌ.
وَلَا يَجُوزُ كِتَابُ الْحَكَمِ إلَى الْقَاضِي وَكَذَلِكَ لَا يَجُوزُ كِتَابُ الْقَاضِي إلَى حَكَمٍ حَكَّمَهُ رَجُلَانِ بِشَهَادَةِ شُهُودٍ شَهِدُوا عِنْدَهُ، كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
وَلَا يَحْكُمُ الْحَكَمُ بِكِتَابِ الْقَاضِي إلَى قَاضٍ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكْتُبْ إلَيْهِ إلَّا إذَا أَرْضَى الْخَصْمَانِ أَنْ يُنْفِذَ الْحَكَمُ الْقَضَاءَ بَيْنَهُمَا فَيَجُوزُ ابْتِدَاءً؛ لِأَنَّهُمَا رَضِيَا بِحُكْمِهِ، كَذَا فِي مُحِيطِ السَّرَخْسِيِّ.
وَإِذَا رَدَّ الْحَكَمُ شَهَادَةَ شُهُودٍ شَهِدُوا عِنْدَهُ بِتُهْمَةٍ ثُمَّ شَهِدَ أُولَئِكَ الشُّهُودُ عِنْدَ قَاضٍ آخَرَ أَوْ عِنْدَ حَاكِمٍ آخَرَ فَإِنَّهُ يَسْأَلُ عَنْهُمْ فَإِنْ عُدِّلُوا أَجَازَهُمْ وَأَنْ جُرِّحُوا رَدَّهُمْ، بِخِلَافِ مَا لَوْ رَدَّ الْقَاضِي الْمُوَلَّى شَهَادَتَهُمْ، وَإِذَا اصْطَلَحَا عَلَى حَكَمٍ يَحْكُمُ بَيْنَهُمَا وَأَجَازَ الْقَاضِي حُكُومَتَهُ قَبْلَ أَنْ يَحْكُمَ بَيْنَهُمَا؛ فَهَذِهِ الْإِجَازَةُ مِنْ الْقَاضِي لَغْوٌ حَتَّى لَوْ حَكَمَ الْحَكَمُ بِخِلَافِ رَأْيِ الْقَاضِي فَلِلْقَاضِي أَنْ يُبْطِلَهُ، قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: وَهَذَا الْجَوَابُ صَحِيحٌ فِيمَا إذَا لَمْ يَكُنْ الْقَاضِي مَأْذُونًا فِي الِاسْتِخْلَافِ، وَأَمَّا إذَا كَانَ مَأْذُونًا فِي الِاسْتِخْلَافِ فَيَجِبُ أَنْ تَجُوزَ إجَازَتُهُ وَتُجْعَلُ إجَازَةُ الْقَاضِي بِمَنْزِلَةِ اسْتِخْلَافِهِ إيَّاهُ فِي الْحُكْمِ بَيْنَهُمَا فَلَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يُبْطِلَ حُكْمَهُ بَعْدَ ذَلِكَ، كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
وَلَيْسَ لِلْحَكَمِ أَنْ يُفَوِّضَ التَّحْكِيمَ إلَى غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ الْخَصْمَيْنِ لَمْ يَرْضَيَا بِتَحْكِيمِهِ غَيْرَهُ فَإِنْ فَوَّضَ وَحَكَمَ الثَّانِي بِغَيْرِ رِضَاهُمَا وَأَجَازَ الْحَكَمُ الْأَوَّلُ لَمْ يَجُزْ إلَّا أَنْ يُجِيزَ الْخَصْمَانِ.
وَمِنْ مَشَايِخِنَا مَنْ قَالَ بِأَنَّ قَوْلَهُ: فَإِنْ أَجَازَهُ الْحُكْمُ الْأَوَّلُ؛ لَا يَجُوزُ مِمَّا لَا يَكَادُ يَصِحُّ فَإِنَّهُ كَالْوَكِيلِ الْأَوَّلِ إذَا أَجَازَ بَيْعَ الْوَكِيلِ الثَّانِي جَازَ وَكَالْقَاضِي إذَا لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ فِي الِاسْتِخْلَافِ إذَا أَجَازَ حُكْمَ خَلِيفَتِهِ جَازَ وَذُكِرَ فِي السِّيَرِ إذَا نَزَلَ قَوْمٌ عَلَى حُكْمِ رَجُلٍ فَحَكَمَ غَيْرُهُ بِغَيْرِ رِضَاهُمْ لَمْ يَجُزْ، وَلَوْ أَجَازَ الْأَوَّلُ حُكْمَهُ جَازَ، وَتَأْوِيلُ قَوْلِهِ: إنَّ إجَازَتَهُ بَاطِلَةٌ أَيْ إجَازَتُهُ تَحْكِيمَهُ وَتَفْوِيضَهُ إلَى الثَّانِي بَاطِلَةٌ؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ مِنْهُ بِالتَّحْكِيمِ فِي الِابْتِدَاءِ لَا يَصِحُّ فَكَذَا فِي الِانْتِهَاءِ، فَأَمَّا إجَازَتُهُ حُكْمَ الثَّانِي فَتَجُوزُ كَأَنَّهُ بَاشَرَهُ بِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْحُكْمَ لَا يَصِحُّ إلَّا بِالْعِبَارَةِ فَلَا يَصِحُّ مِنْهُ تَنْفِيذُ الْحُكْمِ عَلَيْهِمَا بِعِبَارَةِ غَيْرِهِ بِخِلَافِ إجَازَةِ الْوَكِيلِ الْأَوَّلِ بَيْعَ الثَّانِي؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ يَنْفُذُ بِدُونِ الْعِبَارَةِ بِالتَّعَاطِي، فَكَانَ الْمَقْصُودُ بِالتَّوْكِيلِ حُضُورَ رَأْيِ الْوَكِيلِ عِنْدَ الْبَيْعِ لَا عِبَارَتَهُ فَإِذَا أَجَازَ بَيْعَ الثَّانِي فَقَدْ حَضَرَ رَأْيُهُ ذَلِكَ الْعَقْدَ فَصَحَّ، وَبِخِلَافِ إجَازَةِ الْقَاضِي حُكْمَ خَلِيفَتِهِ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ يَمْلِكُ الْقَضَاءَ بِمَا قَضَى خَلِيفَتُهُ مِنْ غَيْرِ رِضَا الْخَصْمَيْنِ أَفَلَا يَمْلِكُ أَيْضًا إجَازَةَ قَضَاءِ الْغَيْرِ عَلَيْهِمَا مِنْ غَيْرِ رِضَاهُمَا، كَذَا فِي مُحِيطِ السَّرَخْسِيِّ.
وَإِذَا حَكَمَ رَجُلٌ بَيْنَ رَجُلَيْنِ وَلَمْ يَكُونَا حَكَّمَاهُ فَقَالَا بَعْدَ حُكْمِهِ: رَضِينَا بِحُكْمِهِ وَأَجَزْنَاهُ عَلَيْهِ فَهُوَ جَائِزٌ وَإِذَا اصْطَلَحَ رَجُلَانِ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ فَهُوَ جَائِزٌ وَإِذَا قَضَى أَحَدُهُمَا عَلَى أَحَدِ الْخَصْمَيْنِ وَقَضَى الْآخَرُ عَلَى خَصْمِهِ لَا يَجُوزُ وَإِذَا حَلَفَ أَحَدُ الْخَصْمَيْنِ وَنَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ وَقَضَى عَلَيْهِ فَقَالَ الْمَقْضِيُّ عَلَيْهِ: لَا أُجِيزُ حُكْمَهُ عَلَيَّ وَأَحْلِفُ؛ فَحُكْمُهُ عَلَيْهِ مَاضٍ.
وَلَوْ كَانَ الْمُدَّعِي مِنْ الِابْتِدَاءِ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى دَعْوَاهُ وَعُدِّلُوا وَحَكَمَ الْحَاكِمُ بِهَا عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ جَازَ، فَإِنْ أَنْكَرَ الْمَقْضِيُّ عَلَيْهِ الْحُكْمَ وَأَنْكَرَ التَّحْكِيمَ وَادَّعَى الْمُدَّعِي ذَلِكَ كَانَ لِلْمُدَّعِي أَنْ يُحَلِّفَهُ فَإِنْ نَكَلَ لَزِمَتْهُ دَعْوَى صَاحِبِهِ.
وَإِنْ كَانَ الْمُدَّعِي أَقَامَ بَيِّنَةً عَلَى مَا ادَّعَى مِنْ التَّحْكِيمِ وَالْحُكْمِ يُنْظَرُ إنْ كَانَ الشُّهُودُ الَّذِينَ شَهِدُوا عَلَى التَّحْكِيمِ غَيْرَ الَّذِينَ جَرَى الْحُكْمُ بِشَهَادَتِهِمْ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُمْ وَإِنْ كَانُوا هُمْ الَّذِينَ جَرَى الْحُكْمُ بِشَهَادَتِهِمْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ، وَفِي الزِّيَادَاتِ إذَا رُفِعَ حُكْمُ الْمُحَكَّمِ فِي الْمُجْتَهِدَاتِ إلَى قَاضٍ وَهُوَ يَرَى خِلَافَ مَا حَكَمَ فَنَفَّذَهُ مَعَ ذَلِكَ ثُمَّ رُفِعَ إلَى قَاضٍ آخَرَ يَرَى رَدَّ حُكْمِ الْمُحَكَّمِ أَيْضًا فَالْقَاضِي الثَّانِي لَا يَرُدُّهُ، كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
لَوْ أَنَّ رَجُلًا ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَنَازَعَهُ فِي ذَلِكَ فَادَّعَى أَنَّ فُلَانًا الْغَائِبَ ضَمِنَهُ لَهُ عَنْ هَذَا الرَّجُلِ فَحَكَّمَا بَيْنَهُمَا رَجُلًا وَالْكَفِيلُ غَائِبٌ فَأَقَامَ الْمُدَّعِي شَاهِدَيْنِ عَلَى الْمَالِ وَعَلَى الْكَفَالَةِ بِأَمْرِهِ أَوْ بِغَيْرِ أَمْرِهِ فَحَكَمَ الْمُحَكَّمُ بِالْمَالِ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَبِالْكَفَالَةِ عَنْهُ فَحُكْمُهُ جَائِزٌ عَلَى الْمَالِ الْمُدَّعَى بِهِ؛ لِأَنَّهُ رَضِيَ بِحُكْمِهِ وَالْكَفِيلُ لَمْ يَرْضَ فَصَحَّ التَّحْكِيمُ فِي حَقِّهِمَا دُونَ الْكَفِيلِ، وَكَذَلِكَ إنْ حَضَرَ الْكَفِيلُ وَالْمَكْفُولُ عَنْهُ غَائِبٌ فَتَرَاضَى الطَّالِبُ وَالْكَفِيلُ وَالْكَفَالَةُ بِذَلِكَ بِأَمْرِ الْمَطْلُوبِ أَوْ بِغَيْرِ أَمْرِهِ فَحَكَمَ الْمُحَكَّمُ بِذَلِكَ كَانَ حُكْمُهُ جَائِزًا عَلَى الْكَفِيلِ دُونَ الْمَكْفُولِ عَنْهُ، كَذَا فِي الْبَحْرِ الرَّائِقِ.
وَإِذَا حَكَّمَا رَجُلًا بَيْنَهُمَا فَقَضَى لِأَحَدِهِمَا عَلَى صَاحِبِهِ بِاجْتِهَادِهِ ثُمَّ رَجَعَ عَنْ قَضَائِهِ وَقَضَى لِلْآخَرِ فَإِنَّ الْقَضَاءَ الْأَوَّلَ مَاضٍ وَالْقَضَاءَ الثَّانِيَ بَاطِلٌ.
وَإِذَا اصْطَلَحَ الرَّجُلَانِ عَلَى حَكَمٍ يَحْكُمُ بَيْنَهُمَا فَأَقَامَ أَحَدُهُمَا الْبَيِّنَةَ عِنْدَ قَاضٍ أَنَّ الْحَكَمَ قَضَى لَهُ عَلَى صَاحِبِهِ هَذَا وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ يَجْحَدُ أَوْ يُقِرُّ فَإِنَّهُ يَقْبَلُ بَيِّنَتَهُ، وَإِذَا اصْطَلَحَ الرَّجُلَانِ عَلَى حَكَمٍ يَحْكُمُ بَيْنَهُمَا فَقَضَى لِأَحَدِهِمَا عَلَى صَاحِبِهِ فِي بَعْضِ الدَّعَاوَى الَّذِي حَكَّمَا فِي ذَلِكَ ثُمَّ رَجَعَ الْمَقْضِيُّ عَلَيْهِ عَنْ تَحْكِيمِ هَذَا الْحَكَمِ فِيمَا بَقِيَ بَيْنَهُمَا مِنْ الدَّعَاوَى فَإِنَّ الْقَضَاءَ الْأَوَّلَ نَافِذٌ، وَمَا يُقْضَى بَعْدَ ذَلِكَ لَا يَنْفُذُ.
وَإِذَا.
اصْطَلَحَ الْخَصْمَانِ عَلَى حَكَمٍ بَيْنَهُمَا فَأَقَامَ الْمُدَّعِي شَاهِدَيْنِ عِنْدَهُ أَنَّ لَهُ عَلَى هَذَا الرَّجُلِ وَعَلَى كَفِيلِهِ الْغَائِبِ فُلَانٍ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَقَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ: الشَّاهِدَانِ عَبْدَانِ فَإِنَّهُ يَسْمَعُ طَعْنَ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ، وَإِنْ أَقَامَ الشَّاهِدَانِ عَلَيْهِ بَيِّنَةً أَنَّ مَوْلَاهُمَا قَدْ كَانَ أَعْتَقَهُمَا وَعُدِّلَتْ بَيِّنَةُ الْعِتْقِ فَالْحَكَمُ يَقْضِي بِعِتْقِهِمَا فِي حَقِّ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ وَيَقْضِي بِالْمَالِ عَلَيْهِ وَلَا يَقْضِي بِهِ عَلَى الْكَفِيلِ وَلَا يَثْبُتُ الْعِتْقُ فِي حَقِّ الْمَوْلَى بِحُكْمِ الْحَكَمِ، وَإِنْ كَانَ حَصَلَ هَذَا مِنْ الْقَاضِي الْمُوَلَّى يَثْبُتُ الْعِتْقُ فِي حَقِّ الْمَوْلَى وَيَثْبُتُ الْمَالُ عَلَى الْكَفِيلِ فَإِنْ جَاءَ مَوْلَى الْعَبْدَيْنِ وَأَنْكَرَ الْعِتْقَ وَقَدَّمَهُمَا إلَى الْقَاضِي فَإِنْ شَهِدَ هَذَانِ الشَّاهِدَانِ اللَّذَانِ شَهِدَ بِعِتْقِهِمَا عِنْدَ الْحَكَمِ وَقَضَى الْقَاضِي بِشَهَادَتِهِمَا فَشَهَادَتُهُمَا جَائِزَةٌ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُمَا بَيِّنَةٌ عَلَى الْعِتْقِ وَقَضَى الْقَاضِي بِرِقِّهِمَا لِلْمَوْلَى أَبْطَلَ حُكْمَ الْحَكَمِ.
قَالَ: وَلَوْ ادَّعَى رَجُلٌ قَبْلَ رَجُلَيْنِ أَنَّهُمَا غَصَبَاهُ ثَوْبًا أَوْ شَيْئًا مِنْ الْكَيْلِيِّ أَوْ الْوَزْنِيِّ فَغَابَ أَحَدُهُمَا وَرَضِيَ الْحَاضِرُ وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِحَكَمٍ يَحْكُمُ بَيْنَهُمَا فَأَقَامَ الْمُدَّعِي بَيِّنَةً عَلَى حَقِّهِ عَلَيْهِمَا فَإِنَّهُ يَلْزَمُ الْحَاضِرَ نِصْفُهُ وَلَا يَلْزَمُ الْغَائِبَ مِنْهُ شَيْءٌ، وَكَذَلِكَ عَلَى هَذَا إذَا ادَّعَى رَجُلٌ عَلَى مَيِّتٍ دَيْنًا وَوَرَثَتُهُ غُيَّبٌ إلَّا وَاحِدًا فَاصْطَلَحَ هَذَا الْوَارِثُ مَعَ الْمُدَّعِي عَلَى حَكَمٍ يَحْكُمُ بَيْنَهُمَا فَأَقَامَ الْمُدَّعِي بَيِّنَةً عَلَى الْمَيِّتِ بِحَقِّهِ وَحَكَمَ الْحَاكِمُ بِذَلِكَ لَا يَظْهَرُ حُكْمُهُ فِي حَقِّ الْغُيَّبِ، غَيْرَ أَنَّ فِي مَسْأَلَةِ الْوَرَثَةِ يَقْضِي عَلَى الْحَاضِرِ بِجَمِيعِ الدَّيْنِ وَيَسْتَوْفِي ذَلِكَ مِمَّا فِي يَدِهِ وَفِي مَسْأَلَةِ الْغَصْبِ يَقْضِي عَلَى الْحَاضِرِ بِالنِّصْفِ.
وَإِذَا اشْتَرَى مِنْ آخَرَ عَبْدًا وَقَبَضَهُ وَنَقَدَ الثَّمَنَ ثُمَّ طَعَنَ بِعَيْبٍ وَاصْطَلَحَا عَلَى حَكَمٍ فَقَضَى بِالرَّدِّ عَلَى الْبَائِعِ فَهُوَ جَائِزٌ فَإِنْ أَرَادَ الْبَائِعُ أَنْ يُخَاصِمَ بَائِعَهُ فِي ذَلِكَ الْعَيْبِ لَا يَجُوزُ، وَلَوْ اصْطَلَحُوا جَمِيعًا عَلَى حُكْمِ هَذَا الْمُحَكَّمِ الْمُشْتَرِي الثَّانِي وَالْمُشْتَرِي الْأَوَّلُ وَالْبَائِعُ الْأَوَّلُ، وَرَدَّ هُوَ الْعَبْدَ عَلَى الْبَائِعِ الثَّانِي فَأَرَادَ الْبَائِعُ الثَّانِي أَنْ يَرُدَّهُ عَلَى الْبَائِعِ الْأَوَّلِ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ قِيَاسًا، وَلَهُ ذَلِكَ اسْتِحْسَانًا وَجْهُ الْقِيَاسِ أَنَّ الْبَائِعَ الْأَوَّلَ لَيْسَ بِخَصْمٍ لِلْحَالِ إذْ لَا خُصُومَةَ مَعَهُ فِي الْعَيْبِ قَبْلَ الرَّدِّ عَلَى الْبَائِعِ الثَّانِي فَلَا يَصِحُّ تَحْكِيمُهُ مَعْنًى فِي الْعَيْبِ قَبْلَ الرَّدِّ عَلَى الْبَائِعِ فَصَارَ وُجُودُ هَذَا التَّحْكِيمِ وَالْعَدَمُ بِمَنْزِلَةٍ.
وَلَوْ نَقَضَ الْبَائِعُ الْأَوَّلُ الْحُكُومَةَ بَعْدَ مَا رَدَّ الْعَبْدَ عَلَى الثَّانِي قَبْلَ أَنْ يَرُدَّهُ عَلَيْهِ صَحَّ النَّقْضُ، وَإِذَا صَحَّ الْعَزْلُ لَا يَمْلِكُ الْحَكَمُ رَدَّ الْعَبْدِ عَلَى الْبَائِعِ الْأَوَّلِ بَعْدَ ذَلِكَ، وَإِنْ خَاصَمَ الْبَائِعُ الثَّانِي الْبَائِعَ الْأَوَّلَ بَعْدَ ذَلِكَ بِسَبَبِ هَذَا الْعَيْبِ عِنْدَ قَاضٍ مِنْ الْقُضَاةِ فَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَرُدَّهُ الْقَاضِي عَلَى الْبَائِعِ الْأَوَّلِ، وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَرُدُّهُ.
وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا بَاعَ سِلْعَةَ رَجُلٍ بِأَمْرِهِ فَطَعَنَ الْمُشْتَرِي بِعَيْبٍ فَحَكَّمَا بَيْنَهُمَا حَكَمًا بِرِضَا الْآمِرِ فَرَدَّهَا الْحَكَمُ عَلَى الْبَائِعِ بِسَبَبِ ذَلِكَ الْعَيْبِ بِإِقْرَارِ الْبَائِعِ أَوْ بِنُكُولِهِ أَوْ بِبَيِّنَةٍ قَامَتْ، فَإِنْ كَانَ الرَّدُّ بِالْبَيِّنَةِ أَوْ بِنُكُولِ الْوَكِيلِ فَلَهُ أَنْ يَرُدَّهُ عَلَى الْمُوَكَّلِ وَإِنْ كَانَ الرَّدُّ بِإِقْرَارِهِ بِالْعَيْبِ وَذَلِكَ عَيْبٌ لَا يَحْدُثُ مِثْلُهُ رَدَّهُ عَلَى الْمُوَكَّلِ أَيْضًا، فَإِنْ كَانَ يَحْدُثُ مِثْلُهُ لَمْ يَرُدَّهُ عَلَى الْمُوَكَّلِ حَتَّى يُقِيمَ الْبَيِّنَةَ أَنَّ هَذَا الْعَيْبَ كَانَ عِنْدَ الْمُوَكَّلِ وَإِنْ كَانَتْ الْحُكُومَةُ بِغَيْرِ رِضَا الْآمِرِ لَمْ يَلْزَمْ الْآمِرَ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ إلَّا بِبَيِّنَةٍ أَوْ كَانَ عَيْبًا لَا يَحْدُثُ مِثْلُهُ، وَلَوْ كَانَ هَذَا الرَّجُلُ اشْتَرَى عَبْدًا لِرَجُلٍ بِأَمْرِهِ فَطَعَنَ الْمُشْتَرِي بِعَيْبٍ بِهِ وَحَكَّمَا فِيمَا بَيْنَهُمَا رَجُلًا بِرِضَا الْآمِرِ وَرَدَّهُ بِبَيِّنَةٍ أَوْ بِإِقْرَارٍ أَوْ بِنُكُولٍ؛ كَانَ ذَلِكَ جَائِزًا عَلَى الْآمِرِ وَهَذَا ظَاهِرٌ.
وَلَوْ كَانَ التَّحْكِيمُ بِغَيْرِ رِضَا الْآمِرِ وَرُدَّ بِبَعْضِ مَا ذَكَرْنَا، فَكَذَلِكَ الْجَوَابُ وَكَانَ الرَّدُّ جَائِزًا عَلَى الْآمِرِ، كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
فِي الْيَتِيمَةِ وَسُئِلَ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ عَنْ وَصِيِّ الصَّغِيرِ وَعَنْ غَرِيمِ أَبِي الصَّغِيرِ إذَا حَكَّمَا رَجُلًا فَأَقَامَ الْغَرِيمُ عَلَى وَصِيِّ الصَّغِيرِ بَيِّنَةً عِنْدَهُ هَلْ لِلْحَكَمِ أَنْ يَحْكُمَ عَلَى وَصِيِّ الصَّغِيرِ بِتِلْكَ الْبَيِّنَةِ أَمْ يَكُونُ لِلْقَاضِي خَاصَّةً؟ فَقَالَ: لَيْسَ لَهُ أَنْ يَحْكُمَ بِشَيْءٍ فِيهِ ضَرَرٌ عَلَى الصَّغِيرِ.
وَسُئِلَ عَنْهَا أَبُو حَامِدٍ فَقَالَ: لَا.
وَسُئِلَ عَنْهَا حِمْيَرُ الْوَبَرِيُّ، فَقَالَ: إنْ كَانَ فِي حُكْمِ الْحَاكِمِ نَظَرٌ لِلصَّبِيِّ يَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ وَيَنْفُذَ حُكْمُهُ فَيَكُونَ بِمَنْزِلَةِ صُلْحِ الْوَصِيِّ، كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة.

.الْبَابُ الْخَامِسُ وَالْعِشْرُونَ فِي إثْبَاتِ الْوَكَالَةِ وَالْوِرَاثَةِ وَفِي إثْبَاتِ الدَّيْنِ:

قَالَ: وَلَوْ ادَّعَى رَجُلٌ أَنَّ رَجُلًا وَكَّلَهُ بِطَلَبِ كُلِّ حَقٍّ لَهُ بِالْكُوفَةِ وَبِقَبْضِهِ وَالْخُصُومَةِ فِيهِ وَجَاءَ بِالْبَيِّنَةِ عَلَى الْوَكَالَةِ وَالْمُوَكِّلُ غَائِبٌ وَلَمْ يُحْضِرْ الْوَكِيلُ أَحَدًا لِلْمُوَكِّلِ قِبَلَهُ حَقٌّ وَأَرَادَ أَنْ يُثْبِتَ الْوَكَالَةَ فَإِنَّ الْقَاضِيَ لَا يَسْمَعُ مِنْ شُهُودِهِ حَتَّى يُحْضِرَ خَصْمًا قَالَ: وَإِنْ أَحْضَرَ رَجُلًا فَادَّعَى عَلَيْهِ حَقًّا لِلْمُوَكِّلِ وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِذَلِكَ مُقِرٌّ أَوْ جَاحِدٌ لَهُ فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَسْمَعُ مِنْ شُهُودِ الْوَكِيلِ عَلَى الْوَكَالَةِ وَيُنْفِذُ لَهُ الْوَكَالَةَ، قَالَ: فَإِنْ أَحْضَرَ غَرِيمًا آخَرَ يَدَّعِي عَلَيْهِ حَقًّا لِلْمُوَكِّلِ لَمْ يَحْتَجْ إلَى إعَادَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَى الْوَكَالَةِ وَيَحْكُمُ الْقَاضِي بِالْوَكَالَةِ عَلَى كُلِّ خَصْمٍ يَحْضُرُ، وَيَدَّعِي قِبَلَهُ حَقًّا لِلْمُوَكِّلِ قَالَ: وَلَوْ كَانَ وَكَّلَهُ وَكَالَةً بِطَلَبِ كُلِّ حَقٍّ لَهُ قِبَلَ إنْسَانٍ بِعَيْنِهِ لَا يَسْمَعُ الْقَاضِي مِنْ شُهُودِهِ عَلَى الْوَكَالَةِ إلَّا بِمَحْضَرٍ مِنْ ذَلِكَ الرَّجُلِ وَلَوْ كَانَ وَكَّلَهُ بِطَلَبِ كُلِّ حَقٍّ لَهُ قِبَلَ إنْسَانٍ بِعَيْنِهِ ثُمَّ حَضَرَ وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ قِبَلَ إنْسَانٍ بِعَيْنِهِ ثُمَّ حَضَرَ وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْوَكَالَةِ ثُمَّ جَاءَ بِخَصْمٍ آخَرَ يَدَّعِي عَلَيْهِ حَقًّا فَإِنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَى الْوَكَالَةِ مَرَّةً أُخْرَى بِخِلَافِ الْفَصْلِ الْأَوَّلِ قَالَ: وَلَوْ أَنَّ الْمُوَكِّلَ حَضَرَ لِيُوَكِّلَ عِنْدَ الْقَاضِي هَذَا الْوَكِيلَ فَقَالَ: وَكَّلْت هَذَا الْوَكِيلَ بِطَلَبِ كُلِّ حَقٍّ لِي بِالْكُوفَةِ وَبِالْخُصُومَةِ فِي ذَلِكَ وَلَيْسَ مَعَهُمَا أَحَدٌ لِلْمُوَكِّلِ قِبَلَهُ حَقٌّ فَإِنْ كَانَ الْقَاضِي يَعْرِفُ الْمُوَكَّلَ وَيَعْلَمُ أَنَّهُ فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ الْفُلَانِيُّ قَبِلَ الْقَاضِي وَكَالَتَهُ وَأَنْفَذَهَا لِلْوَكِيلِ، فَإِنْ أَحْضَرَ الْوَكِيلُ أَحَدًا يَدَّعِي عَلَيْهِ لِلْمُوَكِّلِ وَقَدْ غَابَ الْمُوَكِّلُ كَانَ.
الْوَكِيلُ خَصْمًا لَهُ قَالَ: فَإِنْ كَانَ الْقَاضِي لَا يَعْرِفُ الْمُوَكَّلَ لَا يَقْبَلُ الْوَكَالَةَ، كَذَا فِي أَدَبِ الْقَاضِي لِلْخَصَّافِ.
وَذَكَرَ الْخَصَّافُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي أَدَبِ الْقَاضِي لَوْ أَنَّ رَجُلًا قَدَّمَ رَجُلًا إلَى الْقَاضِي وَادَّعَى أَنَّ عَلَيْهِ أَلْفَ دِرْهَمٍ بِاسْمِ فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ الْفُلَانِيِّ وَأَنَّ هَذَا الْمَالَ لِي وَأَنَّ فُلَانًا الَّذِي بِاسْمِهِ الْمَالُ أَقَرَّ أَنَّ هَذَا الْمَالَ لِي وَأَنَّ اسْمَهُ عَارِيَّةٌ فِي ذَلِكَ وَأَنَّهُ قَدْ وَكَّلَنِي بِقَبْضِ ذَلِكَ مِنْهُ وَبِالْخُصُومَةِ فِيهِ؛ فَالْقَاضِي يَسْأَلُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَنْ هَذِهِ الدَّعْوَى فَإِنْ أَقَرَّ بِجَمِيعِ ذَلِكَ أَمَرَهُ الْقَاضِي بِدَفْعِ الْمَالِ إلَى الْمُدَّعِي وَهَذَا لَمَّا عُرِفَ أَنَّ الدُّيُونَ تُقْضَى مِنْ مَالِ الْمَدْيُونِ فَإِقْرَارُهُ مِنْهُ بِذَلِكَ تَصَرُّفٌ مِنْهُ عَلَى نَفْسِهِ وَفِي مَالِهِ فَيَنْفُذُ، فَقَدْ شَرَطَ الْخَصَّافُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنْ يَدَّعِيَ أَنَّ فُلَانًا الَّذِي بِاسْمِهِ الْمَالُ وَكَّلَنِي بِقَبْضِ الْمَالِ وَجُعِلَ هَذَا جَوَابَ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ.
وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِشَرْطٍ بَلْ إذَا أَقَرَّ أَنَّ الْمَالَ الَّذِي عَلَيْهِ بِاسْمِ فُلَانٍ مِلْكُ هَذَا الْمُدَّعِي أَمَرَهُ بِالدَّفْعِ إلَيْهِ، ثُمَّ إذَا أَقَرَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِجَمِيعِ ذَلِكَ وَأَمَرَهُ الْقَاضِي بِدَفْعِ الْمَالِ إلَى الْمُدَّعِي لَا يَكُونُ هَذَا قَضَاءً عَلَى الْغَائِبِ، حَتَّى إذَا جَاءَ الْغَائِبُ وَأَنْكَرَ التَّوْكِيلَ كَانَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مَالَهُ مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَإِنْ جَحَدَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الدَّعْوَى كُلَّهَا فَقَالَ الْمُدَّعِي لِلْقَاضِي: حَلِّفْهُ لِي؛ فَالْقَاضِي يَقُولُ لِلْمُدَّعِي: أَلَك بَيِّنَةٌ عَلَى مَا ادَّعَيْت مِنْ إقْرَارِ الرَّجُلِ بِالْمَالِ لَك وَمِنْ تَوْكِيلِهِ إيَّاكَ بِقَبْضِ ذَلِكَ الْمَالِ؟ ثُمَّ شُرِطَ فِي الْكِتَابِ أَنْ يُقِيمَ الْمُدَّعِي بَيِّنَةً عَلَى إقْرَارِ ذَلِكَ الرَّجُلِ بِالْمَالِ وَعَلَى تَوْكِيلِهِ إيَّاهُ بِالْقَبْضِ.
وَإِقَامَةُ الْبَيِّنَةِ عَلَى الْمَالِ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ لِثُبُوتِ حَقِّ الْخُصُومَةِ وَإِنَّمَا الشَّرْطُ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ عَلَى الْوَكَالَةِ فَيَطْلُبُ الْقَاضِي مِنْهُ الْبَيِّنَةَ.
عَلَى الْوَكَالَةِ وَبَعْدَ هَذَا فَالْمَسْأَلَةُ عَلَى وَجْهَيْنِ: إنْ أَقَامَ بَيِّنَةً عَلَى الْوَكَالَةِ ثَبَتَ كَوْنُهُ خَصْمًا فَيَطْلُبُ الْقَاضِي مِنْهُ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْمَالِ عَلَى نَحْوِ مَا ادَّعَى فَإِنْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَخَذَ الْمَالَ مِنْهُ وَيَتَعَدَّى هَذَا الْقَضَاءُ إلَى الْغَائِبِ، حَتَّى لَوْ جَاءَ الْغَائِبُ وَأَنْكَرَ التَّوْكِيلَ لَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ الْمَالَ مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لِلْمُدَّعِي بَيِّنَةٌ عَلَى الْمَالِ وَأَرَادَ اسْتِحْلَافَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ حَلَّفَهُ الْقَاضِي بِاَللَّهِ مَا لِفُلَانِ بْنِ فُلَانٍ الْفُلَانِيِّ وَلَا بِاسْمِهِ عَلَيْك هَذَا الْمَالُ الَّذِي سَمَّاهُ فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ وَلَا شَيْئًا مِنْهُ، هَذَا إذَا أَقَامَ الْمُدَّعِي بَيِّنَةً عَلَى الْوَكَالَةِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمُدَّعِي بَيِّنَةٌ عَلَى الْوَكَالَةِ فَقَالَ لِلْقَاضِي: إنَّ هَذَا الْمُدَّعَى عَلَيْهِ يَعْلَمُ أَنَّ فُلَانًا الَّذِي بِاسْمِهِ الْمَالُ قَدْ وَكَّلَنِي بِقَبْضِ هَذَا الْمَالِ فَاسْتَحْلِفْهُ لِي عَلَى ذَلِكَ؛ فَالْقَاضِي يَسْتَحْلِفُهُ بِاَللَّهِ مَا تَعْلَمُ أَنَّ فُلَانَ بْنَ فُلَانٍ الْفُلَانِيَّ، وَكَّلَ هَذَا بِقَبْضِ الْمَالِ عَلَى مَا ادَّعَى هَكَذَا ذَكَرَ الْخَصَّافُ فِي أَدَبِ الْقَاضِي.
وَأَضَافَ هَذَا الْجَوَابَ إلَى أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ- رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى- وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ بَعْضُهُمْ قَالُوا: هَذَا الْجَوَابُ عَلَى قَوْلِ الْكُلِّ إلَّا أَنَّ الْخَصَّافَ خَصَّ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ- رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى- بِالذِّكْرِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَحْفَظْ قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَا؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ بِخِلَافِ قَوْلِهِمَا، وَإِلَى هَذَا مَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ مَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ قَوْلُهُمَا وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَحْلِفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ.
وَإِلَى هَذَا مَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ثُمَّ إذَا حَلَّفَهُ، أَمَّا.
عَلَى الِاتِّفَاقِ أَوْ عَلَى الِاخْتِلَافِ إنْ حَلَفَ انْتَهَى الْأَمْرُ وَإِنْ نَكَلَ صَارَ مُقِرًّا بِالْوَكَالَةِ فَيَقْضِي الْقَاضِي بِالْوَكَالَةِ بِحُكْمِ إقْرَارِهِ ثُمَّ سَأَلَهُ الْقَاضِي عَنْ الْمَالِ، فَإِنْ أَقَرَّ بِالْمَالِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي ادَّعَى أَمْرَهُ بِالتَّسْلِيمِ وَإِنْ أَنْكَرَ الْمَالَ صَارَ خَصْمًا لِلْمُدَّعِي فِي حَقِّ اسْتِحْلَافِهِ عَلَى الْمَالِ وَأَخْذِ الْمَالِ، وَلَا يَصِيرُ خَصْمًا لَهُ فِي إثْبَاتِ الْمَالِ عَلَيْهِ بِالْبَيِّنَةِ حَتَّى لَوْ أَرَادَ الْمُدَّعِي أَنْ يُقِيمَ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةَ بِالْمَالِ، فَالْقَاضِي لَا يَسْمَعُ بَيِّنَتَهُ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَقَرَّ بِالْوَكَالَةِ مِنْ الِابْتِدَاءِ صَرِيحًا إلَّا أَنَّهُ أَنْكَرَ الْمَالَ صَارَ خَصْمًا لِلْمُدَّعِي فِي حَقِّ الِاسْتِحْلَافِ وَأَخْذِ الْمَالِ لَا فِي حَقِّ إثْبَاتِ الْمَالِ عَلَيْهِ بِالْبَيِّنَةِ، وَنَظِيرُ هَذَا مَا قَالَ أَصْحَابُنَا رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى فِي رَجُلٍ ادَّعَى أَنَّ فُلَانَ بْنَ فُلَانٍ الْفُلَانِيَّ وَكَّلَهُ بِطَلَبِ كُلِّ حَقٍّ لَهُ قِبَلَ هَذَا وَأَنَّ لَهُ عَلَيْهِ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَأَقَرَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِالْوَكَالَةِ وَأَنْكَرَ الْمَالَ فَقَالَ الْمُدَّعِي: أَنَا أُقِيمُ الْبَيِّنَةَ بِأَنَّ هَذَا الْمَالَ عَلَيْهِ لَمْ يَكُنْ خَصْمًا لَهُ فِي ذَلِكَ وَلَكِنْ يَكُونُ خَصْمًا فِي حَقِّ اسْتِحْلَافِهِ وَفِي حَقِّ أَخْذِ الْمَالِ مِنْهُ إنْ أَقَرَّ بِالْمَالِ وَإِنْ كَانَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَقَرَّ بِالْمَالِ وَجَحَدَ الْوَكَالَةَ فَالْقَاضِي يَسْأَلُ مِنْ الْمُدَّعِي بَيِّنَةً عَلَى الْوَكَالَةِ فَإِنْ أَقَامَ ثَبَتَتْ الْوَكَالَةُ بِالْبَيِّنَةِ وَصَارَ خَصْمًا مُطْلَقًا وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ بَيِّنَةٌ وَأَرَادَ اسْتِحْلَافَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَلَى الْوَكَالَةِ حَلَّفَهُ وَهُوَ عَلَى الِاخْتِلَافِ الَّذِي قُلْنَا فَإِنْ حَلَفَ فَقَدْ انْتَهَى الْأَمْرُ وَإِنْ نَكَلَ ثَبَتَتْ الْوَكَالَةُ، وَلَكِنْ فِي حَقِّ أَخْذِ الْمَالِ مِنْهُ لَا فِي حَقِّ الْقَضَاءِ عَلَى الْغَائِبِ.
قَالَ: وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إلَى الْقَاضِي وَأَحْضَرَ مَعَهُ رَجُلًا آخَرَ فَادَّعَى أَنَّهُ وَكِيلُ فُلَانٍ الْغَائِبِ وَكَّلَهُ بِقَبْضِ الدَّيْنِ الَّذِي لَهُ عَلَى هَذَا وَالْخُصُومَةِ فِيهِ وَبِقَبْضِ الْعَيْنِ الَّتِي لَهُ فِي يَدِ هَذَا وَدِيعَةً وَصَدَّقَهُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يُؤْمَرُ بِدَفْعِ الدَّيْنِ إلَى الْمُدَّعِي وَلَا يُؤْمَرُ بِدَفْعِ الْعَيْنِ إلَيْهِ، كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
رَجُلٌ قَدَّمَ رَجُلًا إلَى الْقَاضِي وَقَالَ: إنَّ لِفُلَانِ بْنِ فُلَانٍ الْفُلَانِيِّ عَلَى هَذَا أَلْفَ دِرْهَمٍ وَقَدْ وَكَّلَنِي بِالْخُصُومَةِ فِيهِ وَفِي كُلِّ حَقٍّ لَهُ وَبِقَبْضِهِ وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى ذَلِكَ جُمْلَةً؛ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: لَا أَقْبَلُ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْمَالِ حَتَّى يُقِيمَ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْوَكَالَةِ، وَإِنْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْوَكَالَةِ وَالدَّيْنِ جُمْلَةً يَقْضِي بِالْوَكَالَةِ وَيُعِيدُ الْبَيِّنَةَ عَلَى الدَّيْنِ.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: إذَا أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْكُلِّ جُمْلَةً يَقْضِي بِالْكُلِّ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى إعَادَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَى الدَّيْنِ وَقَوْلُ أَبِي يُوسُفَ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- مُضْطَرِبٌ وَظَاهِرُ قَوْلِهِ أَنَّهُ يَقْبَلُ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْكُلِّ إلَّا أَنَّ الْقَاضِيَ يَقْضِي بِالْوَكَالَةِ أَوَّلًا ثُمَّ يَقْضِي بِالْمَالِ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى إعَادَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَى الْمَالِ، وَيُرَاعِي الْقَاضِي التَّرْتِيبَ فِي الْقَضَاءِ لَا فِي الْبَيِّنَةِ وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ، وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- أَنَّهُ قَالَ: آخُذُ بِالْقِيَاسِ لِظُهُورِ وَجْهِ الْقِيَاسِ، وَمُحَمَّدٌ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- أَخَذَ بِالِاسْتِحْسَانِ لِحَاجَةِ النَّاسِ وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِ، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ الْوَصِيُّ إذَا أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى الدَّيْنِ وَالْمُوصَى بِهِ جُمْلَةً، وَالْوَارِثُ إذَا أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى النَّسَبِ وَمَوْتِ الْمُوَرِّثِ وَالدَّيْنُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- يُشْتَرَطُ إثْبَاتُ الْخُصُومَةِ أَوَّلًا ثُمَّ يَقْبَلُ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْحَقِّ، كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ.
إذَا وَكَّلَهُ بِقَبْضِ الدَّيْنِ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِلْخُصُومَةِ وَجَحَدَ الْمَدْيُونُ الْوَكَالَةَ وَالْمَالَ قُبِلَتْ بَيِّنَةُ الْوَكِيلِ عَلَى الْوَكَالَةِ وَالْمَالِ جَمِيعًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- وَعِنْدَهُمَا تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ عَلَى الْوَكَالَةِ وَلَا تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ عَلَى الْمَالِ.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي الزِّيَادَاتِ: رَجُلٌ وَكَّلَ رَجُلًا بِالْخُصُومَةِ فِي كُلِّ حَقٍّ لَهُ عَلَى النَّاسِ فَأَحْضَرَ الْوَكِيلُ رَجُلًا يَدَّعِي قِبَلَهُ حَقًّا لِلْمُوَكِّلِ وَهُوَ جَاحِدٌ لِلْوَكَالَةِ مُقِرٌّ بِالْحَقِّ أَوْ جَاحِدٌ لِلْحَقِّ وَأَقَامَ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةَ بِالْوَكَالَةِ، فَقَبْلَ أَنْ تَظْهَرَ عَدَالَةُ الشُّهُودِ غَابَ الرَّجُلُ ثُمَّ عُدِّلَتْ الشُّهُودُ؛ فَالْقَاضِي لَا يَقْضِي بِالْوَكَالَةِ مَا لَمْ يَحْضُرْ فَإِنْ أَحْضَرَ رَجُلًا آخَرَ يَدَّعِي عَلَيْهِ حَقًّا لِلْمُوَكِّلِ وَهُوَ جَاحِدُ الْوَكَالَةِ فَقَضَى الْقَاضِي عَلَيْهِ بِالْبَيِّنَةِ الْأُولَى كَانَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْأَوَّلُ خَصْمًا عَنْ جَمِيعِ النَّاسِ فِي حَقِّ سَمَاعِ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ مُدَّعِي الْوَكَالَةِ يَحْتَاجُ إلَى إثْبَاتِ الْوَكَالَةِ عَلَى جَمِيعِ النَّاسِ لِكَوْنِ الْوَكَالَةِ وَاحِدَةً وَانْتَصَبَ الَّذِي أَحْضَرَ خَصْمًا عَنْ النَّاسِ كَافَّةً وَصَارَتْ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ كَإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَى الْكُلِّ، وَلَوْ أَقَامَ عَلَى الْكُلِّ وَغَابَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ أَلَيْسَ أَنَّهُ يَقْضِي بِهَا عَلَى الْحَاضِرِ؟ كَذَا هَهُنَا وَاعْتَبَرَهُ فِي الْكِتَابِ بِبَيِّنَةٍ قَامَتْ عَلَى الْوَكِيلِ فَغَابَ الْوَكِيلُ وَحَضَرَ الْمُوَكِّلُ، أَوْ قَامَتْ عَلَى الْمُوَكِّلِ فَغَابَ الْمُوَكِّلُ وَحَضَرَ الْوَكِيلُ، أَوْ قَامَتْ عَلَى الْمُوَرِّثِ حَالَ حَيَاتِهِ فَمَاتَ وَحَضَرَ الْوَارِثُ، أَوْ قَامَتْ عَلَى وَارِثٍ فَغَابَ هَذَا الْوَارِثُ وَحَضَرَ وَارِثٌ آخَرُ- فَإِنَّ فِي هَذِهِ الْفُصُولِ يَقْضِي بِتِلْكَ الْبَيِّنَةِ عَلَى الَّذِي حَضَرَ ثَانِيًا.
وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا قَدَّمَ رَجُلًا إلَى الْقَاضِي وَقَالَ؛ إنَّ أَبِي فُلَانًا مَاتَ وَلَمْ يَتْرُكْ وَارِثًا غَيْرِي وَلَهُ عَلَى هَذَا كَذَا وَكَذَا مِنْ الْمَالِ فَاعْلَمْ بِأَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنْ يَدَّعِيَ دَيْنًا أَوْ يَدَّعِيَ عَيْنًا فِي يَدِهِ أَنَّهَا كَانَتْ لِأَبِيهِ غَصَبَهَا هَذَا مِنْ أَبِيهِ أَوْ أَوْدَعَهَا إيَّاهُ أَبُوهُ أَوْ لَا يَتَعَرَّضُ بِشَيْءٍ فَيَذْكُرُ أَنَّهَا لِأَبِيهِ مَاتَ أَبُوهُ وَتَرَكَهَا مِيرَاثًا لَهُ، وَلَا وَارِثَ لَهُ غَيْرُهُ فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَسْأَلُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَنْ ذَلِكَ فَإِنْ أَقَرَّ بِجَمِيعِ مَا ادَّعَاهُ الْمُدَّعِي صَحَّ إقْرَارُهُ وَأَمَرَهُ بِتَسْلِيمِ الدَّيْنِ وَالْعَيْنِ إلَيْهِ، هَذَا إذَا أَقَرَّ بِذَلِكَ.
وَأَمَّا إذَا أَنْكَرَ ذَلِكَ كُلَّهُ فَإِنْ أَقَامَ الْمُدَّعِي بَيِّنَةً عَلَى مَا ادَّعَى قُبِلَتْ بَيِّنَتُهُ وَأَمَرَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِتَسْلِيمِ الدَّيْنِ وَالْعَيْنِ جَمِيعًا وَيَنْبَغِي أَنْ يُقِيمَ الْبَيِّنَةَ أَوَّلًا عَلَى الْمَوْتِ وَالنَّسَبِ حَتَّى يَصِيرَ خَصْمًا ثُمَّ يُقِيمَ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْمَالِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمُدَّعِي بَيِّنَةٌ وَأَرَادَ أَنْ يُحَلِّفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَلَى مَا ادَّعَى ذَكَرَ الْخَصَّافُ أَنَّهُ رُوِيَ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ لَا يَحْلِفُ قَالَ الْخَصَّافُ: وَفِيهَا قَوْلٌ آخَرُ أَنَّهُ يَحْلِفُ وَلَمْ يُبَيِّنْ الْقَائِلُ.
بَعْضُ مَشَايِخِنَا رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى قَالُوا: الْأَوَّلُ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَالثَّانِي قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى قَالَ الشَّيْخُ عَلِيٌّ الرَّازِيّ وَالشَّيْخُ الْإِمَامُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ- رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى-: الْقَوْلُ الثَّانِي أَنَّهُ يَحْلِفُ قَوْلُ الْكُلِّ أَيْضًا قَالَا: وَهُوَ الصَّحِيحُ وَذَكَرَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى كَانَ يَقُولُ أَوَّلًا لَا يُسْتَحْلَفُ، ثُمَّ رَجَعَ وَقَالَ يُسْتَحْلَفُ ثُمَّ إذَا اسْتَحْلَفَ اسْتَحْلَفَ عَلَى حَاصِلِ الدَّعْوَى بِاَللَّهِ مَا.
لِهَذَا عَلَيْك هَذَا الْمَالُ الَّذِي يَدَّعِي مِنْ الْوَجْهِ الَّذِي يَدَّعِي وَأَنَّهُ جَوَابُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَإِنْ أَقَامَ الْمُدَّعِي بَيِّنَةً عَلَى النَّسَبِ وَالْمَوْتِ دُونَ الْمَالِ اسْتَحْلَفَ عَلَى الْمَالِ بِلَا خِلَافٍ.
وَإِنْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْمَالِ دُونَ الْمَوْتِ وَالنَّسَبِ لَا تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ وَإِنْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى النَّسَبِ دُونَ الْمَوْتِ وَالْمَالِ لَا تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ، أَيْضًا إذَا أَقَرَّ بِدَعْوَى الْمُدَّعِي كُلِّهَا وَأُمِرَ بِتَسْلِيمِ الدَّيْنِ وَالْعَيْنِ إلَى الْمُدَّعِي لَا يَكُونُ هَذَا قَضَاءً عَلَى الْأَبِ حَتَّى لَوْ ظَهَرَ الْأَبُ حَيًّا كَانَ لَهُ أَنْ يَتَّبِعَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِحَقِّهِ وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ يَتَّبِعُ الِابْنَ، وَلَوْ أَقَرَّ بِالْوِرَاثَةِ وَالْمَوْتِ وَأَنْكَرَ الْمَالَ يَحْلِفُ عَلَى الْمَالِ وَهَذَا الْجَوَابُ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- عَلَى مَا ذَكَرَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- أَوْ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- أَوَّلًا عَلَى مَا ذَكَرَهُ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ.
أَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ- رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى- عَلَى مَا ذَكَرَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- أَوْ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- آخِرًا عَلَى مَا ذَكَرَهُ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَحْلِفَ عَلَى الْعِلْمِ، كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا قَدَّمَ رَجُلًا إلَى الْقَاضِي وَقَالَ: إنَّ أَبَا هَذَا قَدْ مَاتَ وَلِي عَلَيْهِ أَلْفُ دِرْهَمٍ دَيْنٌ فَإِنَّهُ يَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يَسْأَلَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ هَلْ مَاتَ أَبُوهُ؟ وَلَا يَأْمُرُهُ بِجَوَابِ دَعْوَى الْمُدَّعِي أَوَّلًا فَبَعْدَ ذَلِكَ الْمَسْأَلَةُ عَلَى وَجْهَيْنِ: إمَّا أَنْ أَقَرَّ الِابْنُ فَقَالَ: نَعَمْ مَاتَ أَبِي، أَوْ أَنْكَرَ مَوْتَ الْأَبِ فَإِنْ أَقَرَّ وَقَالَ: نَعَمْ مَاتَ أَبِي؛ سَأَلَهُ الْقَاضِي عَنْ دَعْوَى الرَّجُلِ عَلَى أَبِيهِ فَإِنْ أَقَرَّ لَهُ بِالدَّيْنِ عَلَى أَبِيهِ يُسْتَوْفَى الدَّيْنُ مِنْ نَصِيبِهِ، وَلَوْ أَنْكَرَ فَأَقَامَ الْمُدَّعِي بَيِّنَةً عَلَى ذَلِكَ قُبِلَتْ بَيِّنَتُهُ وَقُضِيَ بِالدَّيْنِ وَيُسْتَوْفَى الدَّيْنُ مِنْ جَمِيعِ التَّرِكَةِ لَا مِنْ نَصِيبِ هَذَا الْوَارِثِ خَاصَّةً.
ثُمَّ إنَّمَا يَقْضِي الْقَاضِي بِالدَّيْنِ فِي تَرِكَةِ الْمَيِّتِ بِهَذِهِ الْبَيِّنَةِ بَعْدَ مَا يَسْتَحْلِفُ الْمُدَّعِيَ عَلَى الْقَبْضِ وَالْإِبْرَاءِ وَإِنْ لَمْ يَدَّعِ الْوَارِثُ ذَلِكَ، بِخِلَافِ مَا إذَا وَقَعَتْ الدَّعْوَى عَلَى الْحَيِّ؛ لِأَنَّ الْحَيَّ قَادِرٌ عَلَى الدَّعْوَى فَلَا يُسْتَحْلَفُ بِدُونِ دَعْوَاهُ لَهُ بِخِلَافِ الْمَيِّتِ، هَكَذَا ذَكَرَ الْخَصَّافُ فِي أَدَبِ الْقَاضِي.
وَذَكَرَ فِي أَدَبِ الْقَاضِي مِنْ أَجْنَاسِ النَّاطِفِيِّ فِي الْجِنْسِ الرَّابِعِ أَنَّ مَنْ ادَّعَى دَيْنًا فِي تَرِكَةِ الْمَيِّتِ وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى ذَلِكَ فَالْقَاضِي لَا يُحَلِّفُ عَلَى الِاسْتِيفَاءِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- مَا لَمْ يَدَّعِ ذَلِكَ أَحَدُ الْوَرَثَةِ.
وَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ وَأَبِي يُوسُفَ- رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى- يُحَلِّفُ فَمَا ذَكَرَهُ الْخَصَّافُ فِي أَدَبِ الْقَاضِي قَوْلُهُمَا وَهُوَ اخْتِيَارُ الْخَصَّافِ، ثُمَّ إذَا أَرَادَ الِاسْتِحْلَافَ يَسْتَحْلِفُهُ مَا قَبَضْته وَلَا شَيْئًا مِنْهُ وَلَا ارْتَهَنْت بِهِ مِنْهُ رَهْنًا وَلَا بِشَيْءٍ مِنْهُ وَلَا احْتَلْت بِهِ عَلَى أَحَدٍ وَلَا بِشَيْءٍ مِنْهُ وَلَا نَعْلَمُ رَسُولًا أَوْ وَكِيلًا لَك قَبَضَ هَذَا الْمَالَ وَلَا شَيْئًا مِنْهُ.
وَإِنْ ذَكَرَ مَعَ ذَلِكَ وَلَا وَصَلَ إلَيْك بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ كَانَ أَحْوَطَ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لِلْمُدَّعِي بَيِّنَةٌ وَأَرَادَ اسْتِحْلَافَ هَذَا الْوَارِثِ يُسْتَحْلَفُ عَلَى الْعِلْمِ عِنْدَ عُلَمَائِنَا- رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى- بِاَللَّهِ مَا تَعْلَمُ أَنَّ لِهَذَا عَلَى أَبِيك هَذَا الْمَالَ الَّذِي ادَّعَى وَهُوَ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَلَا شَيْءَ مِنْهُ.
فَإِنْ حَلَفَ انْتَهَى الْأَمْرُ وَإِنْ نَكَلَ يُسْتَوْفَى الدَّيْنُ مِنْ نَصِيبِهِ وَفِي الْخَانِيَّةِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ فَإِنْ كَانَ هَذَا الْوَارِثُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَقَرَّ بِالدَّيْنِ عَلَى الْأَبِ أَوْ أَنْكَرَ فَلَمَّا حَلَفَ نَكَلَ حَتَّى صَارَ مُقِرًّا بِالدَّيْنِ إلَّا أَنَّهُ قَالَ: لَمْ يَصِلْ إلَيَّ شَيْءٌ مِنْ تَرِكَةِ الْأَبِ فَإِنْ صَدَّقَهُ الْمُدَّعِي فِي ذَلِكَ فَلَا شَيْءَ لَهُ وَإِنْ كَذَّبَهُ وَقَالَ: لَا بَلْ وَصَلَ إلَيْهِ أَلْفُ دِرْهَمٍ أَوْ أَكْثَرُ وَأَرَادَ أَنْ يَحْلِفَ يُحَلِّفُهُ عَلَى الْبَتَاتِ بِاَللَّهِ مَا وَصَلَ إلَيْك مِنْ مَالِ أَبِيك هَذَا الْأَلْفُ وَلَا شَيْءٌ مِنْهُ، فَإِنْ نَكَلَ لَزِمَهُ الْقَضَاءُ وَإِنْ حَلَفَ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ.
هَذَا إذَا حَلَفَ الْمُدَّعِي عَلَى الدَّيْنِ أَوَّلًا ثُمَّ حَلَّفَهُ عَلَى الْوُصُولِ فَلَوْ أَنَّ الْمُدَّعِيَ مِنْ الِابْتِدَاءِ حِينَ.
أَرَادَ أَنْ يُحَلِّفَ هَذَا الْوَارِثَ عَلَى الدَّيْنِ قَالَ لَهُ الْوَارِثُ: لَيْسَ لَك عَلَيَّ يَمِينٌ فَإِنَّهُ لَمْ يَصِلْ إلَيَّ مِنْ تَرِكَةِ الْأَبِ شَيْءٌ وَكَذَّبَهُ الْمُدَّعِي وَقَالَ: لَا بَلْ وَصَلَ إلَيْك مِنْ تَرِكَةِ الْأَبِ كَذَا وَكَذَا أَوْ صَدَّقَهُ فِي ذَلِكَ، إلَّا أَنَّهُ مَعَ هَذَا أَرَادَ اسْتِحْلَافَهُ عَلَى الدَّيْنِ فَالْقَاضِي لَا يَلْتَفِتُ إلَى قَوْلِ الْوَارِثِ وَيُحَلِّفُهُ عَلَى الدَّيْنِ.
وَفِي الْكُبْرَى وَكَانَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- قَالَ فِي مِثْلِ هَذَا: لَا يَسْمَعُ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْمُدَّعِي وَلَا يُسْتَحْلَفُ الْوَارِثُ قَبْلَ ظُهُورِ الْمَالِ.
وَهُوَ اخْتِيَارُ الْفَقِيهِ أَبِي اللَّيْثِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَبِهِ يُفْتِي فَإِنْ أَنْكَرَ الِابْنُ الدَّيْنَ وَوُصُولَ شَيْءٍ مِنْ التَّرِكَةِ إلَى يَدِهِ وَكَذَّبَهُ الْمُدَّعِي فِي ذَلِكَ كُلِّهِ وَأَرَادَ اسْتِحْلَافَهُ عَلَى الدَّيْنِ وَالْوُصُولِ جَمِيعًا لَمْ يَذْكُرْ الْخَصَّافُ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- هَذَا الْفَصْلَ فِي الْكِتَابِ وَقَدْ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ- رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى- فِيهِ بَعْضُهُمْ قَالُوا: يَحْلِفُ يَمِينًا وَاحِدَةً بِاَللَّهِ مَا وَصَلَ إلَيْك أَلْفُ دِرْهَمٍ وَلَا شَيْءٌ مِنْ تَرِكَةِ أَبِيك وَلَا تَعْلَمُ أَنَّ لِهَذَا الرَّجُلِ عَلَى أَبِيك دَيْنًا مِنْ الْوَجْهِ الَّذِي ادَّعَى؛ فَقَدْ جَمَعَ بَيْنَ الْيَمِينِ عَلَى الْبَتَاتِ وَبَيْنَ الْيَمِينِ عَلَى الْعِلْمِ وَأَنَّهُ جَائِزٌ، كَمَا فِي حَدِيثِ الْقَسَامَةِ وَعَامَّتُهُمْ عَلَى أَنَّهُ يَحْلِفُ مَرَّتَيْنِ، هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَا إنْ أَقَرَّ بِمَوْتِ الْأَبِ.
وَأَمَّا إذَا أَنْكَرَ مَوْتَ الْأَبِ وَوُصُولَ التَّرِكَةِ إلَيْهِ وَأَرَادَ الْغَرِيمُ اسْتِحْلَافَهُ فَقَدْ وَقَعَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي بَعْضِ نُسَخِ هَذَا الْكِتَابِ وَأَجَابَ فِيهَا أَنَّهُ يَحْلِفُ عَلَى الْوُصُولِ وَالْمَوْتِ يَمِينًا وَاحِدَةً لَكِنْ عَلَى الْمَوْتِ عَلَى الْعِلْمِ وَعَلَى الْوُصُولِ عَلَى الْبَتَاتِ بِاَللَّهِ مَا تَعْلَمُ أَنَّ أَبَاك مَاتَ وَلَا وَصَلَ إلَيْك شَيْءٌ مِنْ مِيرَاثِهِ؛ وَبِهِ أَخَذَ أُولَئِكَ الْمَشَايِخُ-
رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى- وَعَامَّةُ بَعْضِ الْمَشَايِخِ عَلَى أَنَّهُ يَحْلِفُ مَرَّتَيْنِ مَرَّةً عَلَى الْمَوْتِ عَلَى الْعِلْمِ وَمَرَّةً عَلَى الْوُصُولِ عَلَى الْبَتَاتِ، فَإِنْ نَكَلَ حَتَّى ثَبَتَ الْمَوْتُ وَثَبَتَ وُصُولُ الْمِيرَاثِ إلَيْهِ يَحْلِفُ عَلَى الدَّيْنِ عَلَى عِلْمِهِ، وَلَوْ أَنَّهُ أَقَرَّ بِالدَّيْنِ وَالْمَوْتِ وَأَنَّ هَذَا الْأَلْفَ تَرِكَةٌ إلَّا أَنَّهُ أَحْضَرَ جَمَاعَةً، وَقَالَ: هَؤُلَاءِ إخْوَتِي فَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى وَجْهَيْنِ: إمَّا أَنْ بَدَأَ وَقَالَ: هَذَا الْأَلْفُ تَرِكَةٌ، ثُمَّ قَالَ: هَؤُلَاءِ إخْوَتِي وَفِي هَذَا الْوَجْهِ يُؤْمَرُ بِالتَّسْلِيمِ إلَى رَبِّ الدَّيْنِ وَإِنْ بَدَأَ بِالْإِقْرَارِ بِالْإِخْوَةِ ثُمَّ بِالتَّرِكَةِ وَالدَّيْنِ فَقَدْ أَقَرَّ لَهُمْ بِالشَّرِكَةِ مَعَهُ فِي التَّرِكَةِ فَصَارَتْ التَّرِكَةُ مَقْسُومَةً بَيْنَهُمْ بِالْحِصَصِ، وَإِذَا أَقَرَّ بِالدَّيْنِ وَالتَّرِكَةِ بَعْدَ ذَلِكَ فَإِنَّمَا يَعْمَلُ بِإِقْرَارِهِ فِي حَقِّهِ وَيُسْتَوْفَى الدَّيْنُ مِنْ نَصِيبِهِ خَاصَّةً، كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة.
قَالَ: وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا مَاتَ فَادَّعَى وَارِثُهُ عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ كَانَ لِأَبِيهِ عَلَيْهِ أَلْفُ دِرْهَمٍ دَيْنٌ وَصَارَ مِيرَاثًا لَهُ وَأَقَرَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِالْمَوْتِ وَأَنْكَرَ الدَّيْنَ فَأَرَادَ الْوَارِثُ أَنْ يُحَلِّفَهُ حَلَّفَهُ بِاَللَّهِ مَا كَانَ لِأَبِي عَلَيْك أَلْفُ دِرْهَمٍ وَلَا شَيْءَ مِنْهُ مِنْ الْوَجْهِ الَّذِي ادَّعَى.
وَكَذَلِكَ إذَا أَقَامَ الِابْنُ بَيِّنَةً عَلَى الدَّيْنِ لَا يَحْلِفُ الِابْنُ عَلَى قَبْضِ الْأَبِ عِنْدَنَا وَإِنْ أَقَرَّ الْمَدْيُونُ بِالدَّيْنِ وَادَّعَى أَنَّ الْأَبَ قَبَضَ مِنْهُ الدَّيْنَ أَوْ عَرَّضَ الْمَدْيُونُ فَقَالَ: قَدْ يَكُونُ عَلَى الْإِنْسَانِ دَيْنٌ ثُمَّ لَا يَبْقَى بِاعْتِبَارِ أَنَّ صَاحِبَ الدَّيْنِ يَقْبِضُ ذَلِكَ مِنْهُ، وَأَنَا لَا أُحِبُّ أَنْ أُقِرَّ بِشَيْءٍ مَخَافَةَ أَنْ يَلْزَمَنِي وَأَرَادَ اسْتِحْلَافَهُ يَحْلِفُ الِابْنُ حِينَئِذٍ عَلَى الْعِلْمِ بِاَللَّهِ مَا تَعْلَمُ أَنَّ أَبَاهُ قَدْ قَبَضَ هَذَا الْمَالَ.
قَالَ فِي الزِّيَادَاتِ: رَجُلٌ مَاتَ فَجَاءَ رَجُلٌ وَادَّعَى أَنَّهُ وَارِثُ الْمَيِّتِ لَا وَارِثَ لَهُ غَيْرُهُ وَأَنَّ قَاضِيَ بَلْدَةِ كَذَا قَضَى بِكَوْنِهِ وَارِثَ الْمَيِّتِ، وَجَاءَ بِشَاهِدَيْنِ شَهِدَا أَنَّ قَاضِيَ بَلَدِ كَذَا أَشْهَدَنَا عَلَى قَضَائِهِ أَنَّ هَذَا وَارِثُ فُلَانٍ الْمَيِّتِ لَا وَارِثَ لَهُ غَيْرُهُ، وَقَالَ الشُّهُودُ: لَا نَدْرِي بِأَيِّ سَبَبٍ قَضَى فَإِنَّ الْقَاضِيَ الثَّانِيَ يَجْعَلُهُ وَارِثًا وَيَنْبَغِي لِلْقَاضِي الثَّانِي أَنْ يَسْأَلَ الْمُدَّعِيَ عَنْ نَسَبِهِ عَنْ الْمَيِّتِ، وَهَذَا السُّؤَالُ لَيْسَ بِشَرْطٍ لِتَنْفِيذِ الْقَضَاءِ حَتَّى لَوْ لَمْ يُبَيِّنْ الْمُدَّعِي سَبَبًا نَفَّذَ الْقَاضِي الثَّانِي قَضَاءَ الْأَوَّلِ، وَلَكِنَّ هَذَا السُّؤَالَ مِنْ الْقَاضِي عَلَى سَبِيلِ الِاحْتِيَاطِ لِيَعْلَمَ أَنَّهُ بِأَيِّ سَبَبٍ يُسْتَحْلَفُ حَتَّى لَوْ ظَهَرَ وَارِثٌ آخَرُ يَعْرِفُ الْقَاضِي الثَّانِي أَنَّ أَيَّهُمَا أَوْلَى بِالْمِيرَاثِ فَإِنْ أَخْبَرَ الْمُدَّعِي بِسَبَبٍ يَكُونُ بِهِ وَارِثًا عَلَى وَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ أَمْضَى قَضَاءَ الْأَوَّلِ بِالْمِيرَاثِ وَدَفَعَ الْمَالَ إلَيْهِ وَلَكِنْ لَا يُقْضَى بِالسَّبَبِ الَّذِي ادَّعَى فَإِنْ جَاءَ رَجُلٌ بَعْدَ ذَلِكَ وَادَّعَى أَنَّهُ أَبُو الْمَيِّتِ لَا وَارِثَ لَهُ غَيْرُهُ وَأَقَامَ عَلَى ذَلِكَ بَيِّنَةً يُنْظَرُ إنْ كَانَ الْأَوَّلُ بَيَّنَ سَبَبًا لَا يَرِثُ مَعَ الْأَبِ، بِذَلِكَ السَّبَبِ جَعَلَ الْقَاضِي الْمِيرَاثَ كُلَّهُ لِلثَّانِي، وَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ بَيَّنَ سَبَبًا يَرِثُ مَعَ الْأَبِ بِذَلِكَ بِأَنْ بَيَّنَ أَنَّهُ ابْنُ الْمَيِّتِ جَعَلَ الْقَاضِي الثَّانِي لِلْأَبِ سُدُسَ الْمِيرَاثِ وَإِنْ ذَكَرَ الْأَوَّلُ أَنَّهُ أَبُو الْمَيِّتِ، وَأَقَامَ الثَّانِي بَيِّنَةً أَنَّهُ ابْنُ الْمَيِّتِ يُعْطَى الثَّانِي خَمْسَةُ أَسْدَاسٍ، وَإِنْ ذَكَرَ الْأَوَّلُ أَنَّهُ أَبُو الْمَيِّتِ وَادَّعَى الثَّانِي أَنَّهُ أَبُو الْمَيِّتِ وَأَقَامَ عَلَى ذَلِكَ بَيِّنَةً وَقَضَى الْقَاضِي الثَّانِي بِأُبُوَّتِهِ جَعَلَ الْمِيرَاثَ لَهُ؛ لِأَنَّ أُبُوَّةَ الثَّانِي ثَبَتَتْ بِالْقَضَاءِ بِالْبَيِّنَةِ، وَأُبُوَّةُ الْأَوَّلِ لَمْ تَثْبُتْ إلَّا.
بِإِقْرَارِهِ.
لَوْ جَاءَ رَجُلٌ وَأَقَامَ بَيِّنَةً أَنَّهُ أَبُو هَذَا الْمَيِّتِ وَقَضَى بِأُبُوَّتِهِ وَجَعَلَ الْمِيرَاثَ لَهُ وَأَقَامَ الثَّانِي بَيِّنَةً أَنَّهُ أَبُو الْمَيِّتِ فَالْقَاضِي لَا يَقْبَلُ بَيِّنَتَهُ وَلَا يَدْخُلُ مَعَ الْأَوَّلِ قَالَ فِي الْكِتَابِ: وَلَوْ أَنَّ الْقَاضِيَ الثَّانِيَ حِينَ قَضَى بِالْمِيرَاثِ لِلثَّانِي قَالَ الْأَوَّلُ: أَنَا أُقِيمُ الْبَيِّنَةَ عِنْدَك أَنِّي أَبُو الْمَيِّتِ لَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ، وَإِنْ أَقَامَ الْأَوَّلُ بَيِّنَةً عَلَى أَنَّ الْقَاضِيَ الْأَوَّلَ قَضَى بِأُبُوَّتِهِ جَعَلَ الْقَاضِي الثَّانِي الْمِيرَاثَ لِلْأَوَّلِ.
وَلَوْ أَنَّ الْقَاضِيَ لَمْ يَقْضِ بِأُبُوَّةِ الثَّانِي حَتَّى أَقَامَ الْأَوَّلُ بَيِّنَةً عَلَى أُبُوَّتِهِ قَضَى الْقَاضِي بِالْمِيرَاثِ بَيْنَهُمَا لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الدَّعْوَى وَالْحُجَّةِ وَالْجَوَابُ فِي وَلَاءِ الْعَتَاقَةِ كَالْجَوَابِ فِي الْأُبُوَّةِ بِأَنْ ادَّعَى الْأَوَّلُ أَنَّهُ مَوْلَى الْمَيِّتِ أَعْتَقَهُ وَأَنَّ الْقَاضِيَ الْأَوَّلَ إنَّمَا قَضَى بِالْمِيرَاثِ لِذَلِكَ وَادَّعَى الثَّانِي أَنَّهُ مَوْلَى الْمَيِّتِ أَعْتَقَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ الشَّخْصُ مُعْتَقًا مِنْ الِاثْنَيْنِ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى الْكَمَالِ كَمَا لَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ ابْنًا لِلِاثْنَيْنِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى الْكَمَالِ فَصَارَ الْوَلَاءُ كَالنَّسَبِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ.
وَإِنْ سَبَقَ الْحُكْمُ لِأَحَدِهِمَا بِالْمِيرَاثِ بِسَبَبِ الْوَلَاءِ فَهُوَ أَوْلَى، وَإِنْ اجْتَمَعَا قَضَى بَيْنَهُمَا عَلَى نَحْوِ مَا ذَكَرْنَا وَإِنْ زَعَمَ الْأَوَّلُ أَنَّهُ ابْنُ الْمَيِّتِ وَأَنَّ الْقَاضِيَ الْأَوَّلَ قَضَى بِالْمِيرَاثِ لِذَلِكَ، وَأَقَامَ آخَرُ بَيِّنَةً بِمِثْلِهِ اشْتَرَكَا فِي الْمِيرَاثِ وَإِنْ سَبَقَ الْحُكْمُ لِأَحَدِهِمَا وَإِنْ زَعَمَ الْأَوَّلُ أَنَّهُ ابْنُ الْمَيِّتِ وَأَقَامَتْ امْرَأَةٌ بَيِّنَةً أَنَّهَا بِنْتُ الْمَيِّتِ فَالْمِيرَاثُ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا وَإِنْ تَقَدَّمَ الْحُكْمُ لِلْأَوَّلِ.
وَلَوْ ادَّعَى الْأَوَّلُ أَنَّهُ ابْنُ الْمَيِّتِ أَوْ أَبُوهُ وَأَقَامَ آخَرُ بَيِّنَةً أَنَّهُ أَخُو الْمَيِّتِ لَا شَيْءَ.
لِلثَّانِي وَلَوْ كَانَ الْمَقْضِيُّ لَهُ امْرَأَةً زَعَمَتْ أَنَّهَا زَوْجَةُ الْمَيِّتِ ثُمَّ جَاءَ رَجُلٌ وَأَقَامَ بَيِّنَةً أَنَّهُ أَخُو الْمَيِّتِ أَخَذَ مِنْهَا مَا زَادَ عَلَى الرُّبْعِ، وَلَوْ أَقَامَ بَيِّنَةً أَنَّهُ ابْنُ الْمَيِّتِ أَخَذَ مِنْهَا مَا زَادَ عَلَى الثُّمُنِ وَصَارَ الْحَاصِلُ أَنَّ الْقَاضِيَ الْأَوَّلَ إذَا قَضَى بِوِرَاثَةِ الْأَوَّلِ وَلَمْ يُبَيِّنْ سَبَبَ الْوِرَاثَةِ وَأَقَامَ الْآخَرُ بَيِّنَةً عِنْدَ الْقَاضِي الثَّانِي عَلَى نَسَبِهِ عَنْ الْمَيِّتِ يَسْأَلُ الْقَاضِي الثَّانِي الْأَوَّلَ عَنْ نَسَبِهِ إنْ ذَكَرَ نَسَبًا لَا يَرِثُ مَعَ الثَّانِي فَالْمِيرَاثُ كُلُّهُ لِلثَّانِي.
وَإِنْ ذَكَرَ نَسَبًا لَا يَرِثُ الثَّانِي مَعَهُ فَلَا شَيْءَ لِلثَّانِي، وَإِنْ ذَكَرَ نَسَبًا يَرِثُ الثَّانِي مَعَهُ يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا فِي الْمِيرَاثِ قَالَ: فَإِنْ كَانَ الْمَقْضِيُّ لَهُ الْأَوَّلُ مَعْتُوهًا أَوْ صَغِيرًا لَا يُعَبِّرُ عَنْ نَفْسِهِ فَأَقَامَ بَعْضُ مَا ذَكَرْنَا بَيِّنَةً أَنَّهُ وَارِثُهُ وَبَيَّنَ نَسَبَهُ عَنْ الْمَيِّتِ فَإِنْ كَانَ الثَّانِي مِمَّنْ يَحْتَمِلُ السُّقُوطَ بِحَالٍ نَحْوِ الْأَخِ وَالْعَمِّ جَعَلَهُ الْقَاضِي سَاقِطًا بِالْأَوَّلِ، وَإِنْ كَانَ الثَّانِي لَا يَحْتَمِلُ السُّقُوطَ فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَجْعَلُ لِلْأَوَّلِ أَفْضَلَ الْأَشْيَاءِ وَيَقْضِي لِلثَّانِي بِأَقَلَّ مَا يَكُونُ بَيَانُهُ فِيمَا إذَا كَانَ الْأَوَّلُ ذَكَرًا يَجْعَلُ ابْنَ الْمَيِّتِ حَتَّى لَوْ كَانَ الثَّانِي أَبًا يُعْطِي لَهُ السُّدُسَ لِكَوْنِهِ أَقَلَّ.
وَلَوْ كَانَ الثَّانِي زَوْجَةَ الْمَيِّتِ يُعْطِي لَهَا الثُّمُنَ لِكَوْنِهِ أَقَلَّ قَالَ: وَلَوْ أَنَّ امْرَأَةً أَقَامَتْ بَيِّنَةً أَنَّ قَاضِيَ بَلَدِ كَذَا قَضَى بِأَنَّهَا وَارِثَةُ هَذَا الْمَيِّتِ، وَجَعَلَ كُلَّ الْمِيرَاثِ لَهَا نَفَّذَ الْقَاضِي الثَّانِي ذَلِكَ كَمَا يُنَفِّذُ لِلرَّجُلِ فَإِنْ أَقَامَ بَعْدَ ذَلِكَ رَجُلٌ بَيِّنَةً أَنَّهُ ابْنُ الْمَيِّتِ أَوْ أَبُوهُ، أَوْ أَقَامَتْ امْرَأَةٌ بَيِّنَةً أَنَّهَا زَوْجَتُهُ سَأَلَ الْقَاضِي الثَّانِي الْمَرْأَةَ الْأُولَى عَنْ سَبَبِ الْقَضَاءِ لَهَا فَإِنْ زَعَمَتْ أَنَّهَا بِنْتُ الْمَيِّتِ عَامَلَ.
مَعَهَا بِزَعْمِهَا، وَإِنْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ الْأُولَى صَغِيرَةً لَا تُعَبِّرُ عَنْ نَفْسِهَا أَوْ كَانَتْ مَعْتُوهَةً جَعَلَ الْقَاضِي لَهَا أَكْثَرَ مَا يَكُونُ لَهَا، وَجَعَلَ لِهَؤُلَاءِ أَقَلَّ مَا يَكُونُ لَهُمْ مَعَ الْمَرْأَةِ الْأُولَى حَتَّى لَا يَنْفُذَ الْقَضَاءُ الْأَوَّلُ إلَّا فِي الْقَدْرِ الْمُتَيَقَّنِ، كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
إذَا ادَّعَى رَجُلٌ عَلَى وَرَثَةِ رَجُلٍ دَيْنًا عَلَى الْمَيِّتِ وَقَالَ: إنَّ أَبَا هَذَا قَدْ مَاتَ وَلِي عَلَيْهِ كَذَا وَقَدْ أَقَرَّ بِذَلِكَ فِي حَيَاتِهِ طَائِعًا وَمَاتَ قَبْلَ أَنْ يُوفِيَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ وَخَلَّفَ مِنْ التَّرِكَةِ فِي يَدِ هَؤُلَاءِ مَا يَفِي بِالدَّيْنِ الْمُدَّعَى بِهِ وَزِيَادَةً وَلَمْ يُبَيِّنْ أَعْيَانَ التَّرِكَةِ فَالْمُخْتَارُ لِلْفَتْوَى أَنْ لَا يُشْتَرَطَ بَيَانُ أَعْيَانِ التَّرِكَةِ لِإِثْبَاتِ الدَّيْنِ، وَلَكِنْ إنَّمَا يَأْمُرُ الْقَاضِي الْوَارِثَ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ إذَا ثَبَتَ وُصُولُ التَّرِكَةِ إلَيْهِمْ وَعِنْدَ إنْكَارِهِمْ وُصُولَ التَّرِكَةِ إلَيْهِمْ لَا يُمْكِنُ الْمُدَّعِي إثْبَاتُهُ إلَّا بَعْدَ بَيَانِ أَعْيَانِ التَّرِكَةِ فِي أَيْدِيهِمْ بِمَا يَحْصُلُ بِهِ الْإِعْلَامُ.
رَجُلٌ ادَّعَى دَارًا فِي يَدِ رَجُلٍ وَقَالَ فِي دَعْوَاهُ: هَذِهِ الدَّارُ كَانَتْ لِأَبِي فُلَانٍ مَاتَ وَتَرَكَهَا مِيرَاثًا لِي وَلِأُخْتِي فُلَانَةَ لَا وَارِثَ لَهُ غَيْرُنَا وَتَرَكَ مَعَ هَذِهِ الدَّارِ ثِيَابًا أَوْ دَوَابَّ فَقَسَمْنَا الْمِيرَاثَ، وَوَقَعَتْ هَذِهِ الدَّارُ فِي نَصِيبِي بِالْقِسْمَةِ وَالْيَوْمَ جَمِيعُ هَذِهِ الدَّارِ مِلْكِي بِهَذَا السَّبَبِ وَفِي يَدِ هَذَا الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِغَيْرِ حَقٍّ فَدَعْوَاهُ صَحِيحَةٌ وَلَكِنْ لَا بُدَّ وَأَنْ يَقُولَ: أَخَذَتْ أُخْتِي نَصِيبَهَا مِنْ تِلْكَ الْأَمْوَالِ حَتَّى يَصِحَّ مِنْهُ مُطَالَبَةُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِتَسْلِيمِ كُلِّ الدَّارِ إلَيْهِ وَلَوْ قَالَ فِي دَعْوَاهُ: فَمَاتَ أَبِي وَتَرَكَهَا مِيرَاثًا لِي وَأُخْتِي، ثُمَّ أَقَرَّتْ أُخْتِي بِجَمِيعِهَا لِي وَصَدَّقْتهَا فِي ذَلِكَ فَالصَّحِيحُ أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَسْمَعُ دَعْوَاهُ فِي الثُّلُثِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ دَعْوَى الْمِلْكِ فِي الثُّلُثِ بِسَبَبِ الْإِقْرَارِ وَدَعْوَى الْمِلْكِ بِسَبَبِ الْإِقْرَارِ غَيْرُ صَحِيحَةٍ، وَعَلَيْهِ فَتْوَى عَامَّةِ الْمَشَايِخِ، كَذَا فِي الْمُلْتَقَطِ وَمَنْ لَهُ الدَّيْنُ الْمُؤَجَّلُ إذَا أَرَادَ إثْبَاتَهُ فَلَهُ ذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ حَقُّ الْمُطَالَبَةِ بِالْأَدَاءِ فِي الْحَالِ، وَكَذَلِكَ الْمَرْأَةُ إذَا أَرَادَتْ إثْبَاتَ بَقِيَّةِ مَهْرِهَا عَلَى الزَّوْجِ فَلَهَا ذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا حَقُّ الْمُطَالَبَةِ بِهِ فِي الْحَالِ.
سُئِلَ الْقَاضِي الْإِمَامُ شَمْسُ الْإِسْلَامِ الْأُوزْجَنْدِيُّ عَمَّنْ ادَّعَى عَلَى آخَرَ عَيْنًا فِي يَدِهِ، وَقَالَ: كَانَتْ هَذِهِ مِلْكَ أَبِي مَاتَ وَتَرَكَهَا مِيرَاثًا لِي وَلِفُلَانٍ وَفُلَانٍ سَمَّى عَدَدَ الْوَرَثَةِ وَلَمْ يُبَيِّنْ حِصَّةَ نَفْسِهِ قَالَ: تَصِحُّ مِنْهُ هَذِهِ الدَّعْوَى، وَإِذَا أَقَامَ عَلَى دَعْوَاهُ الْبَيِّنَةَ فَالْقَاضِي يَسْمَعُ، وَلَكِنْ إذَا آلَ الْأَمْرُ إلَى الْمُطَالَبَةِ بِالتَّسْلِيمِ لَا بُدَّ أَنْ يُبَيِّنَ حِصَّتَهُ، وَلَوْ كَانَ بَيَّنَ حِصَّتَهُ وَلَمْ يُبَيِّنْ عَدَدَ الْوَرَثَةِ بِأَنْ قَالَ: مَاتَ أَبِي وَتَرَكَ هَذِهِ الْعَيْنَ مِيرَاثًا لِي وَلِجَمَاعَةٍ سِوَايَ وَحِصَّتِي مِنْهُ كَذَا وَطَالَبَهُ بِتَسْلِيمِ ذَلِكَ قَالَ: لَا تَصِحُّ مِنْهُ هَذِهِ الدَّعْوَى وَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ عَدَدِ الْوَرَثَةِ لِجَوَازِ أَنَّهُ لَوْ بَيَّنَ كَانَ نَصِيبُهُ أَنْقَصَ.
رَجُلٌ ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ أَنَّ لَهُ عَلَى فُلَانٍ أَلْفَ دِرْهَمٍ دَيْنًا وَأَنَّهُ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يُؤَدِّيَهَا إلَيْهِ، وَأَنَّ فِي يَدَيْك أَلْفَ دِرْهَمٍ مِنْ مَالِهِ وَطَالَبَهُ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ مِنْ ذَلِكَ الْمَالِ فَالْقَاضِي لَا يَسْمَعُ دَعْوَاهُ، وَإِذَا لَمْ يَسْمَعْ دَعْوَاهُ لَا يَحْلِفُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَلَوْ أَقَامَ بَيِّنَةً لَا تُسْمَعُ بَيِّنَتُهُ، كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
مَاتَ نَصْرَانِيٌّ فَجَاءَتْ امْرَأَتُهُ مُسْلِمَةً فَقَالَتْ: أَسْلَمْت بَعْدَ مَوْتِهِ وَلِي الْمِيرَاثُ، وَقَالَتْ وَرَثَتُهُ: أَسْلَمَتْ قَبْلَ مَوْتِهِ وَلَا مِيرَاثَ لَك فَالْقَوْلُ لِلْوَرَثَةِ.
وَلَوْ مَاتَ الْمُسْلِمُ وَلَهُ امْرَأَةٌ نَصْرَانِيَّةٌ فَجَاءَتْ مُسْلِمَةً بَعْدَ مَوْتِهِ وَقَالَتْ: أَسْلَمْت قَبْلَ مَوْتِهِ وَقَالَتْ الْوَرَثَةُ: أَسْلَمَتْ بَعْدَ مَوْتِهِ؛ فَالْقَوْلُ لِلْوَرَثَةِ أَيْضًا، كَذَا فِي الْكَافِي.
وَلَا يُحَكَّمُ الْحَالُ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ لَا يَصْلُحُ حُجَّةً لِلِاسْتِحْقَاقِ وَهِيَ مُحْتَاجَةٌ إلَيْهِ، أَمَّا الْوَرَثَةُ فَهُمْ الدَّافِعُونَ وَيَشْهَدُ لَهُمْ ظَاهِرُ الْحُدُوثِ أَيْضًا.
وَمَنْ مَاتَ وَلَهُ فِي يَدِ رَجُلٍ أَرْبَعَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ وَدِيعَةً فَقَالَ الْمُسْتَوْدَعُ: هَذَا ابْنُ الْمَيِّتِ لَا وَارِثَ لَهُ غَيْرُهُ؛ فَإِنَّهُ يَدْفَعُ الْمَالَ إلَيْهِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَقَرَّ لِرَجُلٍ أَنَّهُ وَكِيلُ الْمُودِعِ بِالْقَبْضِ أَوْ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ مِنْهُ حَيْثُ لَا يُؤْمَرُ بِالدَّفْعِ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِقِيَامِ حَقِّ الْمُودِعِ إذْ هُوَ حَيٌّ؛ فَيَكُونُ إقْرَارًا عَلَى مَالِ الْغَيْرِ وَلَا كَذَا بَعْدَ مَوْتِهِ بِخِلَافِ الْمَدْيُونِ إذَا أَقَرَّ بِتَوْكِيلِ غَيْرِهِ بِالْقَبْضِ؛ لِأَنَّ الدُّيُونَ تُقْضَى بِأَمْثَالِهَا فَيَكُونُ إقْرَارًا عَلَى نَفْسِهِ فَيُؤْمَرُ بِالدَّفْعِ إلَيْهِ، وَلَوْ قَالَ الْمُودَعُ لِآخَرَ: هَذَا ابْنُ الْمَيِّتِ أَيْضًا، وَقَالَ الْأَوَّلُ: لَيْسَ لِلْمَيِّتِ ابْنٌ غَيْرِي؛ قَضَى بِالْمَالِ لِلْأَوَّلِ، كَذَا فِي الْهِدَايَةِ.
فِي الْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ فِي فَصْلِ الْوَدِيعَةِ إذَا لَمْ يُؤْمَرْ بِالتَّسْلِيمِ، وَمَعَ هَذَا سَلَّمَ ثُمَّ أَرَادَ الِاسْتِرْدَادَ هَلْ لَهُ ذَلِكَ ذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الِاسْتِرْدَادَ.
وَكَانَ وَالِدِي يَحْكِي عَنْ أُسْتَاذِهِ ظَهِيرِ الدِّينِ الْمَرْغِينَانِيِّ أَنَّهُ كَانَ يَتَرَدَّدُ فِي جَوَابِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَفِي فَصْلِ الْوَدِيعَةِ إذَا لَمْ يُؤْمَرْ بِالتَّسْلِيمِ وَلَمْ يُسَلِّمْ حَتَّى ضَاعَتْ فِي يَدِهِ هَلْ يَضْمَنُ؟ قِيلَ: لَا يَضْمَنُ وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَضْمَنَ، وَإِذَا قُسِمَ الْمِيرَاثُ بَيْنَ الْغُرَمَاءِ أَوْ بَيْنَ الْوَرَثَةِ؛ قَالَ: لَا يَأْخُذُ مِنْ الْغَرِيمِ وَلَا مِنْ الْوَرَثَةِ كَفِيلًا وَهَذَا شَيْءٌ احْتَاطَ بِهِ بَعْضُ الْقُضَاةِ، كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَهُوَ ظُلْمٌ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى، كَذَا فِي الْهِدَايَةِ.
وَقَالَا: لَا يَأْخُذُ الْكَفِيلَ أَيْ لَا يُدْفَعُ الْمَالُ إلَيْهِمْ حَتَّى يَأْخُذَ الْكَفِيلَ، وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ وَهُوَ يُدْفَعُ إلَى الْمُدَّعِي إنَّمَا يَصِحُّ أَنْ لَوْ كَانَ وَارِثًا مِمَّنْ لَا يُحْجَبُ بِغَيْرِهِ، وَأَمَّا إذَا كَانَ يُحْجَبُ بِغَيْرِهِ فَالْحُكْمُ بِخِلَافِهِ، ذَكَرَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي أَدَبِ الْقَاضِي لِلصَّدْرِ الشَّهِيدِ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- فَقَالَ: وَإِذَا حَضَرَ الرَّجُلُ وَادَّعَى دَارًا فِي يَدِ رَجُلٍ أَنَّهَا كَانَتْ لِأَبِيهِ مَاتَ وَتَرَكَهَا مِيرَاثًا لَهُ فَأَقَامَ عَلَى ذَلِكَ بَيِّنَةً وَلَمْ يَشْهَدُوا عَلَى عَدَدِ الْوَرَثَةِ وَلَمْ يَعْرِفُوهُمْ لَكِنْ قَالُوا: تَرَكَهَا مِيرَاثًا لِوَرَثَتِهِ فَإِنَّهُ لَا يَقْبَلُ هَذِهِ الشَّهَادَةَ وَلَا يَدْفَعُ إلَيْهِ شَيْئًا حَتَّى يُقِيمَ بَيِّنَةً عَلَى عَدَدِ الْوَرَثَةِ؛ لِأَنَّهُمْ مَا لَمْ يَشْهَدُوا لَا يَصِيرُ نَصِيبُ هَذَا الْوَاحِدِ مَعْلُومًا وَالْقَضَاءُ بِغَيْرِ الْمَعْلُومِ مُتَعَذِّرٌ، وَهَهُنَا ثَلَاثَةُ فُصُولٍ:
الْأَوَّلُ هَذَا، وَالثَّانِي وَهُوَ مَا إذَا شَهِدَ الشُّهُودُ أَنَّهُ ابْنُهُ وَوَارِثُهُ لَا نَعْرِفُ لَهُ وَارِثًا غَيْرُهُ فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَقْضِي بِجَمِيعِ التَّرِكَةِ مِنْ غَيْرِ تَلَوُّمٍ، وَالْفَصْلُ الثَّالِثُ إذَا شَهِدُوا أَنَّهُ ابْنُ فُلَانٍ مَالِكِ هَذِهِ الدَّارِ وَلَمْ يَشْهَدُوا لَهُ عَلَى عَدَدِ الْوَرَثَةِ وَلَمْ يَقُولُوا فِي شَهَادَتِهِمْ: لَا نَعْرِفُ لَهُ وَارِثًا غَيْرُهُ فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَتَلَوَّمُ زَمَانًا عَلَى قَدْرِ مَا يَرَى فَإِنْ حَضَرَ وَارِثٌ غَيْرُهُ قَسَمَ الْمَالَ بَيْنَهُمْ، وَإِنْ لَمْ يَحْضُرْ دَفَعَ الدَّارَ إلَيْهِ وَهَلْ يَأْخُذُ كَفِيلًا بِمَا دَفَعَ إلَيْهِ، قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: لَا، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ- رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى-: يَأْخُذُ ثُمَّ إنَّمَا يَدْفَعُ إلَى الْوَارِثِ الَّذِي حَضَرَ جَمِيعَ الْمَالِ بَعْدَ التَّلَوُّمِ إذَا كَانَ هَذَا الْوَارِثُ مِمَّنْ لَا يُحْجَبُ بِغَيْرِهِ وَلَا يَخْتَلِفُ نَصِيبُهُ، فَأَمَّا إذَا كَانَ لَا يُحْجَبُ بِغَيْرِهِ وَلَكِنْ يَخْتَلِفُ نَصِيبُهُ كَالزَّوْجِ وَالزَّوْجَةِ.
هَلْ يُدْفَعُ إلَيْهِ أَقَلُّ النَّصِيبَيْنِ أَوْ أَوْفَرُ النَّصِيبَيْنِ قَالَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: أَوْفَرُ النَّصِيبَيْنِ وَهُوَ النِّصْفُ لِلزَّوْجِ وَالرُّبْعُ لِلْمَرْأَةِ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: أَقَلُّ النَّصِيبَيْنِ.
وَقَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى مُضْطَرِبٌ وَالْمَسْأَلَةُ فِيمَا إذَا ثَبَتَ الدَّيْنُ وَالْإِرْثُ بِالشَّهَادَةِ، أَمَّا إذَا ثَبَتَ الدَّيْنُ وَالْإِرْثُ بِالْإِقْرَارِ فَيُؤْخَذُ الْكَفِيلُ بِالِاتِّفَاقِ، كَذَا فِي النِّهَايَةِ.
وَإِذَا كَانَتْ الدَّارُ فِي يَدِ رَجُلٍ وَأَقَامَ الْآخَرُ الْبَيِّنَةَ أَنَّ أَبَاهُ مَاتَ وَتَرَكَهَا مِيرَاثًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ فُلَانٍ الْغَائِبِ قَضَى لَهُ بِالنِّصْفِ وَتَرَكَ النِّصْفَ الْآخَرَ فِي يَدِ الَّذِي هِيَ فِي يَدَيْهِ وَلَا يَسْتَوْثِقُ مِنْهُ بِكَفِيلٍ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَقَالَا: إنْ كَانَ الَّذِي هِيَ فِي يَدَيْهِ جَاحِدًا أُخِذَ مِنْهُ وَجُعِلَ فِي يَدِ أَمِينٍ وَإِنْ لَمْ يَجْحَدْ تُرِكَ فِي يَدِهِ.
وَلَوْ كَانَتْ الدَّعْوَى فِي مَنْقُولٍ فَقَدْ قِيلَ: يُؤْخَذُ مِنْهُ بِالِاتِّفَاقِ؛ لِأَنَّهُ يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى الْحِفْظِ.
وَالنِّزَاعُ أَبْلَغُ فِيهِ بِخِلَافِ الْعَقَارِ؛ لِأَنَّهُ مُحْصَنٌ بِنَفْسِهِ وَلِهَذَا يَمْلِكُ الْوَصِيُّ بَيْعَ الْمَنْقُولِ عَلَى الْكَبِيرِ الْغَائِبِ دُونَ الْعَقَارِ، وَكَذَا حُكْمُ وَصِيِّ الْأُمِّ وَالْأَخِ وَالْعَمِّ عَلَى الصَّغِيرِ وَقِيلَ: الْمَنْقُولُ عَلَى الْخِلَافِ أَيْضًا، وَقَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِ أَظْهَرُ لِحَاجَتِهِ إلَى الْحِفْظِ، وَإِذَا حَضَرَ الْغَائِبُ لَا يَحْتَاجُ إلَى إعَادَةِ الْبَيِّنَةِ.
وَقَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ عَلِيٌّ الْبَزْدَوِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: وَهُوَ الْأَصَحُّ، كَذَا فِي الْكِفَايَةِ وَيُسَلَّمُ النِّصْفُ إلَيْهِ بِذَلِكَ الْقَضَاءِ؛ لِأَنَّ أَحَدَ الْوَرَثَةِ يَنْتَصِبُ خَصْمًا عَنْ الْبَاقِينَ فِيمَا يَسْتَحِقُّ لَهُ وَعَلَيْهِ دَيْنًا كَانَ أَوْ عَيْنًا؛ لِأَنَّ الْمَقْضِيَّ لَهُ وَعَلَيْهِ إنَّمَا هُوَ الْمَيِّتُ فِي الْحَقِيقَةِ وَوَاحِدٌ مِنْ الْوَرَثَةِ يَصْلُحُ خَلِيفَةً عَنْهُ فِي ذَلِكَ بِخِلَافِ الِاسْتِيفَاءِ لِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ عَامَلَ فِيهِ لِنَفْسِهِ فَلَا يَصْلُحُ نَائِبًا عَنْ غَيْرِهِ فَلِهَذَا لَا يَسْتَوْفِي الدَّارَ إلَّا نَصِيبَهُ، وَصَارَ كَمَا إذَا قَامَتْ الْبَيِّنَةُ بِدَيْنِ الْمَيِّتِ إلَّا أَنَّهُ إنَّمَا يَثْبُتُ اسْتِحْقَاقُ الْكُلِّ عَلَى أَحَدِ الْوَرَثَةِ إذَا كَانَ الْكُلُّ فِي يَدِهِ ذَكَرَهُ فِي الْجَامِعِ، كَذَا فِي الْهِدَايَةِ.